ايمانيات
فإذا كان الكسب الحلال الطيب هو مفتاح استجابة الله تعالى لدعائنا , والفرج القريب لإخواننا , والسعادة والسيادة والسؤدد في حياتنا , فليكن شعارنا إذن , ما كانت توصي به نساء سلفنا الصالح أزوجهم عند الخروج إلى العمل : اتق الله فينا فإن لنا صبرا على الجوع وليس لنا صبر على الحرام .
النورانية التامة , والمنهجية الكاملة , والديانة الخاتمة , التوحيد والعبودية , والواقع والغيب , والنصح والتوجيه والبيان , الحال والمستقبل , طريق الفوز والفلاح , علاجات القلوب وأدويتها , طرائق التعامل مع الناس , السبيل إلى النجاة في الدنيا والآخرة ... كلها وأكثر منها نجدها بكل وضوح في خواتيم سورة هود
ولعل ما يجري في العالم العربي والإسلامي الآن , خير برهان على ذلك , فالابتلاءات تنزل تترا على المسلمين , لتزيل عنهم كل اعتماد أو توكل على غير الله تعالى , ولتطهر نفوسهم من التعلق الشديد بالأسباب المادية التي قصروا في الأصل في الأخذ بها , فكانت هذه الابتلاءات كشفا للتقصير في كلا الجانبين , الأخذ بالأسباب وإعداد العدة قدر الاستطاعة , ثم التوكل والاعتماد التام على الله تعالى .
إن العبر والشواهد على مر الزمان كتبتها صفحات التاريخ وكلنا يعلمها لكننا ننسى في صخب آهات الألم وتأوهات المحن , لكن عندما نذكر أنفسنا بها تكون بمثابة البلسم على جراحنا " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين "
وأحب القلوب إلى الله سبحانه قلب تمكنت منه هذه الذلة وهذه الكسرة, فهو ناكس الرأس بين يدي ربه, لا يرفع رأسه إليه حياءً وخجلاً من الله. وإذا بذلك القلب الكسير يسجد لربه سبحانه سجدة المخلصين التائبين الخاضعين, سجدة تجمع معاني تقصيره وكسره, سجدة ينيب فيها إلى ربه
تنقضي الايام الفاضلات , وأمثالها تنقضي , وتمر الساعات , تمتلىء صراعا وعراكا عبر دوامة الحياة , نملؤها غفلة وتقصيرا في حق الله , ونبني لأنفسنا قصورا من رمال واهمين في بقاء الدنيا وزخرفها ومتاعها , المجتهد منا من يحرص أن يسير في دورة المباح يحرص ألا يقع في الحرمات
إن مجتمعاتنا تلك التي تعيش الآن في صراعات متشابكة لفي أمسّ الحاجة إلى فهم ذلك المعنى العظيم، الذي ينادينا أن سارعوا إلى إسعاد الناس في يوم عيدهم، وتفريج الكرب عنهم وتخفيف آلامهم وإطعام جائعهم، وقضاء الدين عن مدينهم، وإهداء السرور لحزينهم..
لقد كان إخلاص السلف الصالح لله تعالى في العمل , وإخفاء الأعمال الصالحة عن الناس , والبعد عن الشهرة والسمعة والرياء ما استطاعوا , سببا رئيسيا في نصر الله تعالى لهم , واستحقاقهم لثوابه ورحمته ورضاه , ولعل حب الشهرة والسمعة المجنون الذي نراه في زماننا
كلنا يعيش الأزمات المتلاحقة , فقد تضيق الدنيا في عيون البعض , لكن الأزمات و الابتلاءات لم تأت إلا اختبارا للعباد , تأتي ليطهر الله تعالي عباده , و عندما يشتد الضيق ضيقا , و يزيد الهم هما , فلايلبث إلا و يلاحقها الفرج , لقوله تعالي " إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا "
وقد يشتكي البعض جرأتهم على حدود الله تعالى وإتباع جوارحه في تلك الجرأة , فلا تتوقع أن يأتيك الخشوع بين يوم وليلة لكن الأمر يحتاج إلى تدريب مستمر حتى ينتقل القلب تدريجيا من القسوة إلى اللين .
لئن كان أمر الله تعالى فى قوله عز وجل " يأيها الذين أمنوا اصبروا و صابروا و رابطو ..... " قد خوطب به الرجال فإن النساء قد خوطبن بذات الأمر فإنهن شقائق الرجال فى الأحكام و لئن كان الصبر للرجال واجب و لازم فهو للنساء أوجب و ألزم فالرجال كثيراً ما يجدون..
أحيانا يستبد بنا الشعور بالخطأ , ويتملكنا إحساس الذنب , ويسيطر علينا ألم الانقطاع عن سبيل الخير , فيتراكم هذا الشعور شيئا فشيئا , فنجد أنفسنا نبتعد خطوات متتابعة عن الإيمان !
حيث السكون يخيم , والناس يرقدون , فاللاهون في لهوهم والعابثون في عبثهم , يخترق السكون صوت خرير الماء الطهور , ينسكب على جوارح الرجل الصالح فيغسل النفس ويكتسح الذنوب التي في طريقه , وصوت الصالح مع نهاية وضوئه " اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين " ..
إن الناظر في حال الأخوة في الله في هذه الأزمان لينكسر قلبه لما يرى من أخوة ظاهرية بلا عمق , ومن علاقات قائمة على المصلحة الشخصية ومن تقارب وصحبة في السراء دون الضراء , ومن أخوة قائمة على التحزب لجماعة أو حزب , أو تبعية لشخص ما , أو من أخوة مؤقتة غير مستمرة تتغير بتغير الأحوال " فما أكثر الإخوان حين تعدهم .. ولكنهم في النائبات قليل " .
إنها مشكلة عصرية متفاقمة , تسببت في انقلاب كثير من الناس عن سبيلهم المستقيم , جزعا عند الأزمة ونفورا عند البلية , وقد بين لنا سبحانه أن الابتلاء سنة ربانية " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون "
إن تخلي نظم التعليم الحديثة , بموجب التبعية , عن تضمين المناهج الدراسية ما يبعث على علو الهمة في التحصيل سواء من سيرالسلف و أخبارهم , أو مما يفرض رفع التحدي الحضاري , قد زج بناشئتنا في متاهة البحث عن نماذج الاقتداء في الحياة العامة . وبالتالي أتيحت للإعلام
مع تغيرات المجتمعات , وتقدمات الحياة , وفي وسط أتون الصراعات الشخصية والمصلحية والحزبية , يسقط الكثيرون في وحل الانتقاص من خصومهم , يسبونهم , يغتابونهم , يسخرون منهم , يسمونهم بالنقائص والشينات , وربما لعنوهم في بعض الأحيان ..
قَالَ: فَمَا زَالَ يُقَلِّبُ الوَرَقَ وَيَلْتَمِسُ حَتَّى وَقَعَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ : {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ، عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة : 102] . فَقَالَ : اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ . يعني أنا من هَؤُلَاءِ . مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر (ص: 44) .
حديثي اليوم إلى كل من أذنب ذنبا يراه ثقيلا ويستحيي أن يلقى الله به , ويخشى عذابه , وإلى كل من ظلم نفسه بالتقصير في طاعة الله سبحانه وارتكاب الآثام ثم أراد أن يعوض مافاته ويرجو المغفرة , وإلى كل من سقط سقطة ذنب آلمه اثرها فيبحث عن الإنابة له سبحانه والعودة
يظل المرء محتارا باحثا عن وصف يجمع حاله الظاهر والباطن , وحقيقته وآماله , ونواقصه وأحلامه , وسعيه وقدرته على الإنجاز والفعل , وحقيقة قوته التي يتصرف من خلالها , وسبيل تقوية علاقته بربه , وكيف الطريق للعودة بعد الانحراف , والهداية بعد التيه , ومن أين يبدا ..
ودعونا نحن بالتبعية نسأل : لماذا أصبحت سلامة الصدر – في أعين الناس - ضعفا واستسلاما ونزولا من قيمة الرجال وضربا من ضروب السذاجة في مجتمعات أصبحت مجالا خصبا لأمراض القلوب يستأسد فيها الحقد والغيرة والأنانية إلا نذرا من الصالحين هم لايزالون ملح الأرض ..
حين ينسى الإنسان نفسه يبتعد عن ما يصلحه وينفعه , يبتعد عن سعادته الحقيقية التي جعلها الله تعالى في عبادته وطاعته ومناجاته , ولذلك قال ابراهيم بن الأدهم التابعي المعروف لبعض أصحابه يوماً: ( لو عَلِم الملوكُ وأبناءُ الملوك ما نحن فيه - أي من السعادة والسرور - لجالدونا عليه بالسيوف ) (البداية والنهاية لابن كثير )
لاشىء ههنا يمكنه أن يقهر الطغيان في تلك المدن إلا ذلك الإيمان الحق , والثقة الراسخة في الله سبحانه , ثقة في الرزق , وثقة في الرعاية , وثقة في القدرة على الحماية والأمن , وثقة في كفالة الحياة التي قدرت له .
شريط الحياة يمر في ذاكرة أحدنا فيعرض له أيام طفولته كأنها مرت بالأمس القريب , ويذكره بسنين مرت كأنها لاتزال قائمة , إنها الحياة العاجلة , والدنيا الزائلة , سعادتها سريعة الانقضاء , وتبعاتها ثقيلة القضاء , فياويل من غفل عن الصالحات فيها فغره الغرور , ويا فلاح من تفهم وصفها فجعلها للآخرة معملا ومعدا ..
يحتاج المؤمن أن يدرك حقيقته الذاتية , وحقيقة قدراته وإمكاناته , وأن يدرك ماهية آماله ومنتهاها , لئلا يتكبر أو يتجبر ولئلا ينسى حجمه فيخيل إليه أنه قادر على تغيير الاشياء او التفرد الذاتي بالمستقبل أو حتى القدرة على تسيير شىء من الحياة من أجل ذلك يحتاج