لقاء الله وأثره في تربية الأبناء
2 صفر 1441
د. خالد رُوشه

أعلت المناهج التربوية الغربية والشرقية من قيمة المادة ، حتى جعلتها مدار المنهج التربوي ، فالناجح هو المنجز ماديا ، والفاشل هو المتأخر ماديا ، والميزات كلها قائمة على المادة سلبا وايجابا .

 

وخرج أبناؤنا ليجدوا مجتمعات سيطرت عليها المادة ، وقللت من قيمة المبادىء والقيم ، فصار إيمانهم بقيم الإيمان لايلامس قلوبهم ، فلم يذوقوه ولم يدركوا حقيقة الحياة به .

 

والحقيقة أن مفاهيم الإيمان هي الباني الأول لمنهاج التربية الناجح ، كما في المنهج التربوي الإسلامي الذي يؤسس عليها بناءه .

 

ولقاء الله سبحانه ولحظة الحساب اساس في البناء التربوي للابناء ، فابناؤنا المؤمنون بالآخرة لايرون الحياة شهوات وزينة , بل يرونها مزرعة ليوم آخر سيحاسبون فيه على ما قدموا .

 

 وإذا رسخ في قلوبهم معنى لقاء الله , حذروا مما يجمعون لهذا اليوم , وعلموا أن المعاصي تنقص من إيمانهم وتزيد في سيئاتهم فتخفف موازينهم يوم القيامة وتعرضهم للعذاب والعقاب .

 

إن إيمانهم بلقاء الله يحجزهم ويمنعهم عن الانحراف السلوكي والفكري , كما يمنعهم عن الانبهار بالطغيان المادي , ويجعل شخصياتهم متوازنة , كما ينبت الحكمة من بين ثنايا نفوسهم , مع أخلاقيات مهمة كالحلم والأناة والصبر والرضا .

 

 فمجرد معرفة لقاء الله وكونه حق وكون الحساب حق ثابت كفيلة بتقويم السلوك لأبنائنا , فالموت لا توقيت له , فالمرء ينتظره أي وقت , ولذلك يجب أن يكون على استعداد له , وبالتالي على استعداد للقاء ربه , والحساب ، فعندئذ تقزم ضخامة الدنيا في عين الأبناء , وتظهرها على حقيقتها , وتجعلها دارا للرحيل لا دار اقامة , فيقل استمساكهم بها , ويكون صنيعهم معها صنيع المسافر .

 

 وإذا كان الإصلاح في الدنيا هو في ذاته ثواب , صارت تربية الأولاد على معرفة حقيقة الدنيا والموت والآخرة ليس مدعاة إلى تركها والانطواء عن الحياة , بل مدعاة إلى الأعمال الصالحة المصلحة , ومدعاة إلى تعميرها بما يصلح وينصر أمة الإسلام .

 

 وإذا كان نفع الغير ثوابا , فإنه سيكون حريصا على تقديم النفع للغير, والسعي لمعونة الناس , والمبادرة إلى تفريج الكربات وتقديم المكرمات

 

وإذا استطعنا بالفعل أن نوقظ في قلوب ابنائنا ونرسخ في مفاهيمهم معاني اليوم الآخر , فقد استطعنا بناء شخصيات إيجابية من أبنائنا , واستطعنا تقديم أسرة نافعة كأكثر ما يكون .

 

فهي قلوب تبحث عن الفضائل فتقوم بها , وتهرب من الرذائل وتبتعد عنها , وليس هكذا فقط , بل إنها لتؤثر في المجتمع المحيط بها دعوة للمعروف ونهيا للمنكر .

 

هذه التربية لا تقتصر على التلقين الكلامي ولا التفهيم النظري , فهو وإن كان أساسا ومؤثرا , فإنه يحتاج إلى التكرار والبيان والتوضيح  .

 

 كذلك فإن اسئلة الابناء عن اليوم الآخر أيضا يجب استغلالها استغلالا منهجيا في التأكيد على المفاهيم الإيمانية بضرب الأمثال وحكاية أشراط الساعة بلغة مفهومة مناسبة لهم تتخلى عن التخويف والتاثير النفسي السلبي وتهتم بالتفهيم والتقبل , وتضع الترهيب موضعه النافع الإيجابي الدافع

 

كذلك فإن المعايشة التربوية لمعاني اليوم الآخر هي الأخرى خطوة تربوية نفسية إيجابية في ذلك الجانب .

 

نستطيع أن نقدم لأبنائنا المنهجية الصائبة للإيمان باليوم الآخر بشكل تربوي صالح إن نحن ركزنا على تثبيت معاني الإيمان بذلك اليوم وربطناها بتصرفاتهم في الحياة , وأثر ذلك على رؤيتهم الفكرية والتصورية للكون , ورؤيتهم التصورية للموت والحياة والمخلوقات بحيث أن تكون إيجابية إصلاحية , واستطعنا أن نقيم في أذهانهم معادلة تجمع بين الزهد في زخرف الدنيا وبين الإصلاح فيها والرقي النافع والعمل على تقدم المجتمع والأمة بأجمعها بالعلم والمعرفة والإنجاز .