السعادة في الرضا
25 ذو الحجه 1440
أميمة الجابر

الراحة هي المبتغى الذي لا يبلغ في الدنيا , والسعادة هي الغاية المأمولة من الحياة بأسرها , والرضا هو السبيل إليهما معا ..

 

فكثير من الناس غير راضين على أحوالهم , ولا عن أنفسهم , ولا عن  شيء قد حققوه في حياتهم , فهم متأسفون على ما مضى إذ لم يجمعوا مالا ولم يصيبوا جاها , ولو جمعوا مالا أو اصابوا جاها فهم ساخطون على أفعالهم فيهما , وكثير من الناس غير راضين عن شئونهم ولا أرزاقهم ولا زوجاتهم ولا أولادهم وربما نما السخط على أنفسهم , فهم يتقلبون ليلا ونهارا بين مشاعر سخط وأفكار أسف , لا يعرفون للرضا طعما ولا يتذوقون له لذة !  

 

فالرضا بالحال يجلب لصاحبه طمأنينة النفس وهدوء البال , ويشيع البهجة في حياته , فرحا بكل قليل .

 

أما السخط فما يزيد الانسان إلا اضطرابا دائما , وتمردا وحقدا وحسدا , وكآبة مهما تعددت عنده الخيرات , فهودائما يريد المزيد , بل ويشعر داخل نفسه أنه لا يملك إلا القليل . والشعور بالرضا على الحال مقدور ممكن و وهو ممدوح غاية المدح  , وهناك وقفات مهمة في هذا السبيل :    

 

1- علينا أن ننظر لأحوال الآخرين خاصة المهمومين والمكروبين وأصحاب المصائب المختلفة , فمن تفكر في أحوال هؤلاء هان عليه كل ما هو فيه من مشاق , وإلى هذا يلفتنا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمرنا من دعاء عند رؤية أهل البلاء " الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به "  

 

2- علينا ألا ننظر إلى الوراء , وألا نندم على ما فات من أعمارنا دون تحقيق ما نريد , بل يجب الاهتمام بالأيام القادمة مهما كانت قليلة فالأعمال بالخواتيم , فلا قيمة للندم المجرد إلا أن يكون ندما على معصية الله سبحانه وعزما على الطاعة فهذا حسن مراد , لكن الندم على مافات من كسب الدنيا لا يؤثر بشىء إلا جلب الأحزان والقعود عن النجاح .  

 

3- لا نغتر بالدنيا , فكلنا يحبها ويتمسك بها , ويسعى للشبع منها , وقد ضرب الله تعالى لها مثلا حيث قال :" واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض , فأصبح هشيما تذروه الرياح , وكان الله على كل شيء مقتدرا " الكهف 45 , فلماذا لا نعتبر ممن سبقونا ! فأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها ؟ وأين الجبارون الذين كان لهم الغلبة والنفوذ والاستبداد , قد انهار بهم الحال , وصاروا رميما , فغادروها وتركوها ولم يبق غير أعمالهم , وأصبحت الدنيا دنيا لغيرهم , وبقينا نحن بعدهم .  قال عثمان رضي الله عنه في آخر خطبه له :" إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعطكموها لتركنوا إليها , إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى , لا تبطرنكم الفانية , ولا تشغلنكم عن الباقية , وآثروا ما يبقى على ما يفنى , فإن الدنيا منقطعة , وإن المصير إلى الله "  

 

4- التأمل في نعم الله تعالى علينا , وحمده سبحانه " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم "    التكاثر  8 ,  فنحن نمتلك من النعم الكثير ولكن لا نشعر بها , ولكي تدرك قيمة النعم تفكر لو أنك حرمت منها يوما , عندها ستعلم قدرها وتستشعر فضل الله عليك بها .  

 

5- الثقة بالنفس تمنح الإنسان الرضا , فالثقة تدفع صاحبها إلى الأمام وإلى علو همته والسعي للارتقاء , وللعمل الجاد , وتحقيق أهدافه , والثقة بالنفس لا نصل إليها إلا بتمام الثقة بالله سبحانه , فأنت إذن بثقتك بالله سبحانه ثم ثقتك في خطواتك تستطيع أن تعوض ما فات مهما مرت الايام , ولئن فاتت الايام على شىء لايمكن استرجاعه فلابأس فإن هناك غيره والتوكل على الله وإيكال الأمر إليه سبحانه خير في كل حال  

 

6- قرب العبد ووصاله بربه بالعبادات والتوبة والاستغفار , يبث داخله الرضا والسعادة الحقيقية .  

 

7- فلا يحزن من كان حظه من الدنيا  قلة المال  أو عدم الإنجاب , لأنه قد يجلب المال والولد على صاحبهما الهموم والأحزان , فكم من صاحب أهل وولد ولكنهم غير صالحين , فكانوا من أسباب تعاسته , وأحزانه , واضطراب نفسه , وكم من غنى لا يفارق الشقاء جنبيه , وكم من صاحب جاه ومنزله لكنه لم يذق طعم الاستقرار وراحة البال , فهي زينة مؤقتة , لا تخلو من المنغصات والمسؤوليات التي تحد من الاستمتاع بها , بينما نجد إنسانا لم يحظ بكثير من مال أو جاه أو يفتقد الأهل والولد لكن صدره أوسع من الأرض نفسها , مؤتنس راض بقضاء ربه .  

 

8- تعليم النفس الرضا وتدريبها على ذلك ممكن فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول " إنما الصبر بالتصبر ", فالزوج يحاول أن يرضى عن زوجته , ويعلم أنها قد تكون أفضل من غيرها من النساء , والزوجة تحاول أن ترضى عن زوجها وتتذكر حسناته قبل أن تتذكر عيوبه , وكم من امرىء غير راض عن أحواله وساخط على رزقه من مسكن صغير أو سيارة متواضعة أو عمل بسيط  , أو أي شيء من هذا , و ربما يكون هذا المسكن أو السيارة أو العمل فيها من الخير مالايعلم وفيها من البشر والفال والبركة ما يخفى عليه .  

 

9- لابد أن يعلم المؤمن أن السعادة هى سعادة الحياة الآخرة , والشقاء الحقيقى ليس بنقص مال ولا ولد ولكنه شقاء الآخرة , (يوم يأتى لا تكلم نفس إلا بإذنه , فمنهم شقي و سعيد ) سورة هود من الآية 105 ,وقوله سبحانه (وجوه يومئذ ناعمة , لسعيها راضية , في جنة عالية ) الغاشية  8 :  10  

 

10- الرضا بربوبيته سبحانه متضمن الرضا بتدبيره , وتقديره , وأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه , وما أخطأه لم يكن ليصيبه , و إذا رضى العبد بربوبيته سبحانه وبألوهيته عز وجل وآمن بأسمائه وصفاته , وقام بحق عبوديته , فقد رضى الله تعالى عنه , و إذا رضى الله تعالى عنه أرضاه , وكفاه , وحفظه , و رعاه . قال النبى صلى الله عليه و سلم ( ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربا , و بالإسلام دينا , و بمحمد رسولا ) رواه الترمذى  

 

  11- من سعى نحو الرضا مخلصا ملأ الله قلبه بالرضا مهما زخرفت الدنيا أمامه , فلا يتأثر بما يجد عند غيره ,  فالصادق غنى و الكاذب في ضيق دائما , و التقي غنى والفاسق في وحشة مستمرة , وفاعل الخير غنى وفاعل الشر متحسر من سوء عمله , و العالم غنى بعلمه و الجاهل فقير لضيق وعيه , و الصابر غنى مستبشر بجزاء صبره والقانط حزين , و الواصل لرحمه غنى  والقاطع لرحمه فقير مهما كان عنده من المال , والبار لوالديه غنى ببركة بره و المسيء لهما فقير محروم من نعمة البر ,  و المتصدق الكريم غني لأن الله تعالي يخلفه جزاء عطائه بل  ويضاعفه له و البخيل مهما كثر ماله فقير لانه يشعر بأنه يريد المزيد , والذاكر لله تعالي غني واللاهي عن ذكره فقير , والمطيع لله تعالي سعيد غني والبعيد العاصي فقير شقي , فمن يفتقد هذه الصفات الحسنه لا يعرف للسعادة طريقا مهما تناثرت عليه الثروات والنعم , لم يشعر بقيمتها بل يعيش دائماً مضطرب الاحوال ضيق الصدر .  

 

  فلو رضينا بما عندنا سعدنا , ولو سخطنا شقينا , ولو رضينا بالقليل من الطعام شبعنا , ولو رفضنا وتبطرنا شعرنا بالفقر , ولو رضينا بما عندنا من ملبس ومسكن هدأ بالنا , ولو نظرنا لما هو أعلي منا تعبنا  .    فلماذا لا نرضي وقد يأتي يوم تفحص فيه الأعمال , ويكثر فيه الزلزال , وتشيب فيه الأطفال ؟   لماذا لا نرضي ونحن نعلم أن أيامنا القادمة هي بقية أعمارنا , فإذا كنا نحلم بالغني فإن خير الغنى غنى النفس , وخير الزاد التقوى وخير ما ألقي في القلب اليقين , فارض بما قسم الله تعالي لك تكن أغني الناس.