المقارنة بين الأطفال... أسف واعتذار!
11 شعبان 1440
أميمة الجابر

رغم ميزة اجتماع الأطفال من أماكن مختلفة في مكان واحد , يتيح لهم اللعب والتعاون , وتبادل الخبرات , إلا أن هناك سلبية يجب الوقوف عندها و النظر إليها بعين فاحصة , ألا وهي المقارنات التي يفصَح بها أمام الأبناء خاصة عند ظهور نتيجة امتحان أو سلوك أحدهم عادات معينة , سواء أكانت طيبة أو سيئة أو اهتمام بمظهر وأناقة ملابس , أو إتباع أخلاقيات معينة أو غير ذلك من الأمور المشتركة . 

 

ذلك قد يزيد من أحزان الكثيرين منهم , تاركاً أثاره النفسية السيئة في نفوسهم وقد ينبت الكره و الإحساس بالمنافسة الحاقدة , فيحاول كل واحد منهم أن يكون أفضل من الآخر , بل و يحب لنفسه التفوق الأكثر .,غير أن المؤسف و المحزن , أن من نتيجة هذه المقارنات قد يتمني الطفل الحاقد لغيره الرسوب و الفشل .  

 

فلا شك أن هناك اختلافات متباينة في القدرات داخل أفراد الأسرة الواحدة , رغم أن المنبع واحد , أو بينهم و بين أقاربهم و أصدقائهم و ذويهم و هذه الاختلافات في عدة أمور :  

 

1_ في النواحي العقلية  و تتضح من خلال ما يعكسونه من اختلافات في سرعة الفهم , و القدرة علي الحفظ و المذاكرة , و التركيز في وقت محدد .    لكن للأسف يغفل كثير من الآباء ذلك , بل و يوبخ ابنه عندما يجد جاره مثلاً متفوقا عنه , بل و يتهمه بالتقصير , أو يتهم أمه بالإهمال , و عدم متابعتها للابن و يكون يوم النتيجة هو يوم الطامة في البيت حينذاك ! !  

 

2 _ من النواحي الجسمية  فالأطفال ليسو سواء فيما يتعلق بالنواحي الجسمية , فإذا كان البعض يتميز بصحة جيدة وبنية قوية , فقد يعاني البعض من الضعف ,  أو قد يتميز بالطول بينما البعض يتصف بالقصر , أو البعض يتصف بضخامة البدن , و البعض الآخر يعاني من الضآلة .... فإذا عقدت المقارنات , وجدت آثارها السلبية لدى نفوس الأبناء  .  

 

3_ اختلافات من الناحية الانفعالية  فقد يتأثر أحد الأبناء تأثيراً شديداً من موقف ما , أما الآخر فيستقبله بهدوء فيكون نتيجة هذه المقارنات اتهام الأب الابن الهادئ بالبرود , و عدم الإحساس ولا يبالي بما سببه له من تلقاء ذلك .   

 

4 _ الاختلافات النفسية  فمن الأطفال من يحبون التواجد مع الآخرين فهم اجتماعيون , أما الآخرين فيعرفون بالانطواء , فيميلون للعزلة , ويفضلون البقاء بمفردهم بعيداً عن الآخرين كل ذلك قد يكون سبباً في تأخره عمن حوله تاركاً أثراً واضحاً على نفسه خاصة بعد وقوعه في مقارنات بمن حوله .  

 

5 _ اختلافات من الناحية الاجتماعية فمنهم من يعيش حياة صعبة أو متوسطة الحال , و منهم من يعيش حياة الرغد و الترفه , فاختلاف الظروف الاقتصادية المحيطة بكل طفل بجانب الظروف الاجتماعية الأخرى قد تؤثر علي شخصية كل طفل عن الآخر , بل و تجعله مختلفا عن غيره ممن حوله , فكيف تتم تلك المقارنات بينهم في ظل هذه الفروق ؟ 

 

إن الفروق بين الأطفال موجودة ولاشك , ومتعددة ولاشك , لكن الإغفال عن هذه الفروق من قبل الآباء يبقى مؤثرا سلبيا..   

 

ومازالت المقارنات هي الأداة الحادة عند التعامل معهم , مما يؤدي إلي مشاكل عديدة , يتاثر بها الكثير من الأطفال , عندما يضيع أمام عيونهم ميزان العدل في الحكم .   

 

فتكون من آثاره فقدان الأبناء تقديرهم لآبائهم , بعد عقد مقارنات ظالمة بين الطفل و أخيه , أو صديقه , أو جاره , أو أحد أقاربه.   

 

هذه المقارنات تكون دون الانتباه إلي حقيقة وجود الفروق الفردية السابقة مما تجعلهم يشعرون دائماً بأنهم أقل من الآخرين بل ويسبب لهم الإحباط معتقدين أن الفشل في انتظارهم . 

 

إن ذلك كاف و باعث في شخصية الطفل بخيبة الأمل , بل و يكسبها هشاشة تحول دون صمودها أمام الصدمات , و الأزمات التي لا تخلو منها الحياة .   

 

إن علي الأب إذا انخفض المستوى التعليمي عند ابنه أن به , و يبحث و يتتبع قدراته و هواياته .   و علي سبيل المثال نجد الكثير من رجال الأعمال الناجحين قد وصلوا لما هم فيه ببراعة من أثر ميولهم التجارية , أو عند البعض هواية رياضية كانت سبباً لتحقيق آمال كثيرة  أو غير ذلك .   

 

وعلي الأب أن يعلم أنه لن يكتمل إنسان في كل الأشياء , فإن زاد و ارتفع في شيء , فينتظر أنه يقل في شيء آخر ,  إذن لا داعي للمقارنات الهدامة التي تخرج من صاحبها دون التفكير في آثارها . 

 

فالعقلاء من الآباء من يعطون لأبنائهم الثقة بدلاً من تحطيمها بالكلمات اللاذعة ظناً منهم أنها ستكون حافزاً علي القفز للأمام و الأعلى , بل ستهوي بهم تحت الأقدام .  

 

فلا ينبغي أن نربى أبناءنا علي الكره و البغض , بل نربيهم و نوثق في قلوبهم حديث النبي صلى الله عليه و سلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه  , لكن كيف يفهم الطفل ذلك الحديث ونحن نعبث بأفكاره ونقارنه بقرينه الذي يتفوق علية و يتقدم عنه فما الذي ننتظره بعد ذلك ! !   

 

إن أباً استطاع أن يشجع ابناءه على الطاعات , ويجعل منافستهم على عمل الخير , ويجعل فروقهم في مجال إيجابي داعما لهم في تميز كل أحد , مع تصفية نفوسهم , وتطييب قلوبهم , لهو اب جدير بالتقدير والشكر.