لا عجب ولا غرابة أنْ يهتمَّ الإسلامُ بالأولاد صغاراً كانوا أم كباراً، فالإسلامُ دينُ الكمال، دينٌ كامل كمَّله الله، وامتنَّ على هذه الأمَّة بكمال الدِّين، وبتمام النِّعمة، قال الله تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ)المائدة:3.
قال رجل من اليهود لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين!! آيةٌ في كتابكم تقرؤونها، لو علينا - معشر اليهود - نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال له عمر رضي الله عنه: أي آية ؟ قال اليهودي:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ ).
قال عمر رضي الله عنه: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النَّبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم جمعة. رواه البخاري ومسلم.
فَدِينُ الله عزَّ وجلَّ تضمَّنَ ما يهم المسلم في جميع مناحي الحياة، دقّها وجلّها، جليلها وحقيرها، بل نظّم الإسلام حتى علاقة الإنسان بالحيوان!!.
وحول هذا الموضوع جاء التوجيه الرباني في قوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )النور:58.
روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنَّ رجلين سألاه عن الاستئذان في الثلاث عورات، التي أمر الله بها في القرآن. فقال ابن عباس: إنَّ الله ستِّير يحب السِّتر، كان النَّاس ليس لهم ستورعلى أبوابهم، ولا حجال في بيوتهم، فربما فاجأ الرجلَ خادمُه، أو ولدُه، أو يتيمُه في حجره، وهو على أهله، فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي سمَّى الله، ثم جاء الله بعد ذلك بالسُّتور، فبسط الله عليهم الرزق، فاتخذوا السُّتور واتخذوا الحِجال ، فرأى النَّاس أنَّ ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به.
ثم جاء التوجيه الرباني:
( وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )النور:59.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يعني إذا بلغ الأطفال الذين إنَّما كانوا يستأذنون في العورات الثَّلاث، إذا بلغوا الحلم وجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال، يعني بالنِّسبة إلى أجانبهم، وإلى الأحوال التي يكون الرجل مع امرأته، وإن لم يكن في الأحوال الثلاث. قال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير: إذا كان الغلام رباعياً، فإنَّه يستأذن في العورات الثلاث على أبويه، فإذا بلغ الحلم فليستأذن على كل حال.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: فالبالغ يستأذن في كل وقت، والطفل والمملوك يستأذنان في العورات الثلاث.
قال القرطبي رحمه الله في قوله تعالى:( لِيَسْتَأْذِنكُمُ ) الخطاب بالنسبة للأطفال توجّـه للأبوين، لأنَّ الأطفال غير مخاطبين ولا متعبدين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا خلا الرجل بأهله بعد العشاء؛ فلا يدخل عليه خادم ولا صبيّ؛ إلا بإذنه حتى يُصلي الغداة، وإذا خلا بأهله عند الظهر فمثل ذلك
لأنَّ الطفل لو رأى شيئاً مما يقع بين الزوج وزوجته لرسخ ذلك في مُخيّلته، ولكان له الأثر السلبي على حياته، إذ أنّ أمه وأباه هم القدوة في حياته، ثم يراهم على ذلك الوضع!!.
فيجب أن يُعوّد الأطفال على ذلك، وأن يؤمروا ألا يدخلوا غرفة نوم والديهم إلا بعد الاستئذان، وقرع الباب، فإن أُذِن له، وإلا فليرجع ولا يدخل.
يقول الأستاذ عدنان با حارث، في كتابه: مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة:
ويحذَر الأبُ كلَّ الحذر، من نوم الولد بعد السنة الأولى من عمره، في غرفة نومه الخاصة به مع أهله؛ خشية أن يرى الولد ما يكره من العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة.
وأما اللباس المعتاد للرجل في بيته، فهو ما يستر عورته، وإذا كان مِن عادته أن يُخصص للبيت لباساً؛ فليحرص أشدّ الحرص على أن يكون اللباس ساتراً للعورة، أو أن يلبس تحته ما يستر العورة؛ لأنَّ الطفل إذا شاهد تساهل والده في ستر العورة حذا حَذوه، وسار سيره، وربما يُفاجأ الأب في يوم من الأيام إذا انتهر طفله ( ذكراً أو أنثى ) آمراً إياه أن يستر عورته، ربما يُفاجأ بما لم يكن في حسبانه من ردّ الطفل: وأنت تفعل هذا!!.
يعني أنك محلّ قدوة، وتفعل هذا!!.
وكيف تنهى عن أمر أنت تفعله ؟!.
وربَّما ظنَّ بعض الآباء، أنَّ الطفلَ لا يُدرك، ولكن لو ألقى سمعه؛ لبعض همسات طفله؛ لمن هم في مثل سِنِّـه لسمع ما لم يكن يتوقعه!!. فالطِّفل شديد العناية بتصرفات والديه، دقيق الملاحظة لكل ما يصدر منهما.
وأمَّا لباس المرأة؛ فإنَّه يجب أن يكون أشدّ عند الصغار؛ لأنَّهم ربَّما نقلوا ما اطّلعوا عليه من عورات النساء!!.
قالت أم سلمة رضي الله عنها: دخل عليّ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وعندي مخنث، فسمعه يقول لعبد الله بن أمية: يا عبد الله!! إن فتح الله عليكم الطَّائف غداً، فعليك بابنة غيلان، فإنها تُقبل بأربع وتُدبر بثمان!!. فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل هؤلاء عليكم. رواه البخاري ومسلم.
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: معنى ذلك أن هذه المرأة سمينة ، وبسبب هذه السمنة نشأ في بطنها أربع عكن - أي طيات - فإذا رآها إنسان وهي مقبلة رأى أربع طيات في بطنها، وإذا أدبرت رأى من خلفها أطراف الطيات الأربع؛ عن اليمين أربع، وعن اليسار أربع ، فكان مجموع المرئي من الخلف ثمان طيات. انتهى كلامه رحمه الله.
فهذا من غير أولي الإربة من الرجال، ومع ذلك تفطّن لما يتفطّن له الرجال، وانتبه لما ينتبه له الرجال عادة!!.
وفي هذا إشارة وتنبيه إلى بعض النِّساء اللواتي يتساهلن في اللباس أمام الأطفال!!.
فقد تتساهل المرأة في لباسها في بيتها بحجة أنها في بيتها، وأمام زوجها تُريد أن تتزيّن له، وهي لا تشعر بلحظ الأطفال لكل حركة وسكنة!!. أو في حال رضاع الصغير، ونحو ذلك. وربما تحدّث الطفل عند الكبار مما رأى!!
إنَّ بإمكان المرأة أن تتجمّل لزوجها، وأن تتزيّن له في غرفة نومه؛ حفاظاً على مشاعر الأطفال الذين ربما أثّر فيهم ما يرون من تساهل أمهم باللباس، وربما ورِثته البنت عن أمها.
وممَّا تتساهل به بعض الأمهات أن تخرج من غرفتها إلى دورة المياه أحياناً شبه عارية، غير مُبالية بنظرات الصغار، وربما نظرات احتقار وازدراء!! ورأى طفل سوءة امرأة لم تهتم به بحجة أنَّه طفل، فجاء يُحدّث أهله بما رأى وقد اجتمعوا على العشاء!!. ثم شبّه سوءة تلك المرأة بسوءة أخته، التي كانت هي الأخرى لا تهتم بنظر الطِّفل الصَّغير!!. فأخذت تحثو التُّراب في وجهه، وكانت أحق به وأولى!!.
وشاب دخل البيت نهاراً فرأى ما لا يسرّ من علاقة أبيه بأمه!! فلما اجتمعوا في الليل: سأل أباه عما كان يفعل بأمه ؟! فأخذت أمُّه تحثو عليه التراب!!. لقد كانوا في غنى عن ذلك السؤال!!.
وربما يظنُّ بعض النَّاس أنَّ الطِّفل لا ينتبه، بينما هو شديد الملاحظة، حادّ النّظرة، ربما يَخزن المعلومات فتكون الفضيحة وقت إبراز ذلك المخزون!!.
وربما تمنّت المرأة، أو تمنّى الرجل وقتها أنَّ الأرض انشقّت وابتلعته، ولم يسمع عَرْضَ تلك الفضيحة، ولم يسمع ذلك القول على الملأ!!.
الطِّفل فطرته سليمة، فيجب أن تبقى على هذا النَّقاء، وأن يُحافظ على ذلك الصفاء، لا كما يدعو إليه من لا خلاق له بوجوب تعليم الأطفال الجنس، ويزعمون أنه من باب تثقيف الأطفال!!
ولذلك في المدارس الأوربية – غالباً - لا توجد أبواب للمراحيض في المدارس!!
فيذهب الحياء، ويذهب معه كل خُلُق فاضل، وينشأ الذُّكور والإناث على حياة بهيمية لا تُستر فيها عورة، ولا يُستحيا فيها من إبداء سوءة!!
إنَّ لباسَ نساء سلف هذه الأمة في البيوت يُغطي السَّاقين والذِّراعين، ولا يظهر منها إلا ما يظهر حال المهنة والخدمة، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ثم ليتذكّر المسلم والمسلمة أنَّ الله ستّير يُحب الستر، ففي المسند والسنن من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو مما ملكت يمينك. فقال: الرجل يكون مع الرجل؟ قال: إن استطعت ألا يراها أحد فافعل. قلت: والرجل يكون خالياً؟ قال: فالله أحقُّ أن يستحيا منه.