الكلمة بين الكاتب والقارىء
11 جمادى الأول 1440
د. صفية الودغيري

إن كلاًّ من الكاتب والقارئ هو صانعٌ لأمجادِ النَّص، وله فَضْلٌ وبصمة، وتأثيرٌ داخل نسيج الواقع والمجتمع ..

 

ولا حقَّ لأيٍ منهما أن يضع على رابطة القلم حِصارًا، أو يَسْتَأْثِر بامْتِلاكِه واحْتِجازِه، بل هي كلماتٌ حُرَّةٌ أصيلة، وسطورٌ تَنْتَظِم في عِقْدِ المعاني البرَّاقَة، وتنتهي عند واسطة الانْبعاث، لتبدأ رحلة التعبير وميلاد كلماتٍ ستشُقٌّ طريقها نحو الإنتاج والإبداع ..

 

والكاتب النَّاجح .. هو من يضَعُ القارئ في رأسِ الهَرَم وليس في المُنْحَدر، فيتقاسَمُ معه أفراحَه وهُمومَه ويواجِه قضاياه ويلتزِم بمسؤوليَّاته، بالقدر الذي يحافظ على قِيَم الحرية في أسمى معانيها، التي تُخَوِّل لهما حقَّ التعبير في حدود الأدب والاحترام، ومراعاة الأصول والثَّوابت، والقواعد، والالتزام بأحكام الشريعة والدِّين، والأخلاق ..

 

والكاتب النَّاجح .. هو من يحمِل قلمَه على الجادَّة والصَّواب، ويُعْمِل عقله حين يقرأ ويكتب، ويتقن القراءة كما يتقن الكتابة ..

 

الكاتب الناجح هو من يضع نفسه موضع القارىء في كل حرف يكتبه , فيشعر بأثر كلماته ويتوقع ناتج  تكوينات معانيه , فينظر لكلماته من بعيد وكأنها دبت فيها روح القارىء بعد أن يترك القلم ..

 

أما إذا فقد القارئ والكاتب اتِّقادَ البصيرة، ودقَّةَ الفطنة والكِياسَة، والإحساس الفطري الصَّادِق، والشعور الإنساني السَّامِق، صار تفكيرُه يتحرَّك وَفْقَ طقوس المادَّة، وقيمِ عدَدِيَّة وأرقام حسابِيَّة، بتعابيرِها الجافَّة ومعانيها السَّاقِطة ..

 

إذا فقد الاثنان همزة التواصل بينهما , وطالت فترات الانقطاع , وتساوى الاثنان مع الغرباء , وقامت دلائل الوحشة بينهما والابعد ..

 

فيفسد ذوقه وينْحَدِر إلى القاع، ويرتكب الخطأ تلوَ الخطأ، حتى يُشْرِِف على الزَّيْغ، ويُلْقِى به إلى التَّهْلكة، ويُوَرِّطُه الجهل في التِّيه والحَيرة، فيضْعُف مستوى تلَقِّيه للعلوم والمعارف، والموازنة بين المباني والمعاني ..

 

وإذا ضاعت القِيم والأخلاق، وفسدَ الذَّوق والإحساس، صار الاستقبال والتلقِّي انْعكاسًا لصُوَر ذاك الانحطاط ومظاهر التخلُّف ..

 

فالأخلاق ثقافة

 

والـذوق ثقافـة

 

والإحساس ثقافة

 

والكتابة والقراءة ثقافة

 

وإذا انحَطَّت ثقافة الذَّوق والأخلاق، وثقافة القراءة والكتابة، انحَطَّت تباعًا ثقافة التواصل الاجتماعي، وتدهور أسلوب الحوار والنقاش، وانقطعت أواصِرُ الانسجام في الفهم وممارسة التفكير والتعبير ..