عقوق الوالد لابنه!
19 ربيع الثاني 1440
أميمة الجابر

كلنا نسمع عن صور مختلفة وأشكال متعددة عن عقوق الأبناء لآبائهم وعلى الجانب الآخر يزيد الضغط منا على الأولاد ونفرض عليهم أوامر والتزامات وواجبات وإن لم يفعل الولد ما نأمره به ويطبق ما نريده منه نعتبره عاقاً لوالديه، نعم الإسلام أمر بطاعة الوالدين وأوجب على الأبناء برهم وحرم بل وجرم عقوقهم، حتى جعل طاعة الوالدين وبرهما من أوجب الواجبات وجعل عقوقهما من أكبر الكبائر لكنه أيضا أمرنا بنوع آخر من الإحسان هو الإحسان إلى الأبناء وأمرنا نحن الآباء والأمهات بعدم عقوق أولادنا هم الآخرين.
 

وفي الأثر أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بابنه وقال: إن ابني هذا يعقني فقال عمر للابن أما تخاف الله في عقوق والدك فإن من حق الوالد كذا؟ فقال الولد يا أمير المؤمنين أما كان للابن على والده حق ؟ قال نعم،حقه عليه أن يستنجب أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب فقال الابن: فوالله ما استنجب أمي وما هي إلا سِنْديَّه اشتراها بأربعمائة درهم ولا حسن اسمي سمَّاني جُعَلاً، ولا علمني من كتاب الله آية واحدة فألتفت عمر إلى الأب وقال: تقول ابني يعقني،فقد عققته قبل أن يعقك.
 

ويقول الإمام ابن القيم: "فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوها صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا" تحفة المودود.
 

ولا تعجل باللوم عليَّ أيها الوالد إذ أذكرك بحق ولدك عليك، فإننا إن أهملنا ذلك الجانب فلا عيب على الأولاد إن وجد فيهم العاق والمتمرد والمنحرف والحاقد والمكتئب والمعاند، وقد لا ننتبه لذلك إلا بعد فوات الأوان..... فالقضية مشتركة فإن هناك كثيراً من الأسر والمجتمعات تعاني من هذه المآسي ومن هذه الأوضاع والمشكلات تجاه أولادها فكل أمل الوالد أن يرى فلذة كبده في خير حال من الصلاح والاستقامة وحسن الخلق، فكيف نخطو إلى هذه المرتبة ونحن لاهين عن أولادنا.
 

إن ثمَّ خللاً في أساسيات تربية أبنائنا لا يكاد بيت من بيوتنا يبرأ منه، فالمراقبة والمتابعة والموادعة والرفق والمصاحبة والثقة والعطاء وإعطاء الفرص وغيرها من المعاني الأساسية في التربية تكاد أن تغيب عنا.
 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها" البخاري، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه رضوان الله عليهم: "ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم" البخاري.
 

فالأب منهمك خارج البيت للعمل وتحصيل الرزق وعندما يعود لا يرى أمامه إلا النواقص ولا يسأل عن شيء إلا عن بضع ساعات نوم يريح بدنه من هذا العذاب، يقوم بعدها فزعا عندما يرى تقصيرا أو انحرافا!
 

أما الأم فطوال اليوم في صراع تبذل كل جهد وتنفد كل طاقاتها من أجل إشباع رغبات أولادها من طلباتهم اليومية هدفها تغذية أولادها وبناء أجسام سليمة وتنسى الغذاء الإيماني الذي لابد أن تغرسه في قلوب أبنائها منذ الصغر.
 

يجب أن تعلمهم أهم الصفات الحميدة وأولها محبة الله سبحانه وتوقيره وتعظيمه ورجاؤه والخوف منه والتوكل عليه.
 

وتعلمهم بعض مبادئ الاحترام والتعلم في الصغر يثبت العلم والمعرفة، ومثال ذلك: استخدام بعض الألفاظ المنتقاة في الحديث التي تدل على الأدب والتربية والأخلاق، وحسن معاملة واحترام وتقدير وتوقير الكبير وعدم التدخل فيما لا يعني، وآداب الحديث كالتحدث بصوت منخفض، وعدم مقاطعة المتحدث، وحسن الإنصات، ثم أمور المعرفة العبادية والشرعية خطوة خطوة، وأولها كيفية العلاقة الإيمانية بالله سبحانه.
 

إن التأسيس السليم للطفل ليس لبناء جسم سليم فقط بل مع ذلك لا بد من بناء قلب سليم، فتأسيس القلب الطائع لله يعود على سائر الجسم بسلامته. يقول الله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ...} الآيات.
 

كما أنه من أساسيات بناء ولد صالح تحبيب الأطفال منذ الصغر في الصلاة كما أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم من سن السابعة ثم بعض العقوبة على التقصير فيها في سن العاشرة وأن يبث في نفسه أن الصلاة ليست واجبا يتمه فقط ولكن لابد أن تجعل الولد يستشعر بأن الصلاة لغة الوصال بينه وبين الله إن أراد شيئا فعليه أن يدعوا الله في السجود، ذليلا لله سبحانه ولن يحافظ الولد على الصلاة إلا إذا وجد الأب والأم محافظين عليها فالابن يتبع أبويه فإن لم يكونا قدوة له في ذلك فمن أين يقتدي؟!
 

يقول الإمام الغزالي رحمه الله في إحيائه: "ولن ترسخ الأخلاق الدينية في النفس ما لم تتعود النفس جميع العادات الحسنة، ولم تترك جميع الأفعال السيئة، وما لم تواظب عليه مواظبة من يشتاق إلى الأفعال الجميلة ويتنعم بها، ويكره الأفعال القبيحة ويتألم بها، والأخلاق الجميلة تكون باعتياد الأفعال الجميلة، وبمشاهدة أرباب الأفعال الجميلة ومصاحبتهم، وهم قرناء الخير وإخوان الصلاح، إذ الطبع يسرق من الطبع، والشر والخير سواء في ذلك، والأصل في تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء، وكل مولود يولد معتدلًا صحيح الفطرة، وإنما بالاعتياد والتربية تتهذب أخلاقه، وكلما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود، فينبغي أن يكرم عليه ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس، فإن خالف ذلك مرة فينبغي أن يتغافل عنه، فإن عاد ثانيًا فيعاتب سرَّا ولا يكثر عليه العتاب في كل حين؛ فإن ذلك يهوِّن عليه الملامة ويسقط وقع الكلام من قلبه، ويحسن أن يظل للأب عنده هيبة من أن يوبخه والأم تخوفه بالأب" إحياء علوم الدين.
 

كذلك فبعض الأبناء يعانون العنف الشديد صغاراً فقد يوجد بعض الآباء يعاقب أولاده بالضرب المبرح بعصا غليظة وسمعنا من الأمهات من تحرق أولادها بنقاط الشمع.
 

هؤلاء الأبناء لن ينسوا من آبائهم ذلك بل يكون ذلك محفورا في أذهانهم ما يربي سلوكا عدوانيا تجاه من حولهم.
 

وأيضا قد يسبب لهم سوء الحالة النفسية وبالتالي قد يتعرضوا لمشكلة التبول اللاإرادي بسبب الشدة المفرطة على كل خطأ، وقد يلجأ الولد إلى تحري الكذب في كثير من الأحوال خوفا من العقاب.
 

يقول الكاتب الغربي كارنيجي: "السماع الكامل له وعدم مقاطعته هو المقدمة الصحيحة لرجوعه عن الخطأ مهما كان عناده، فإن أشد الناس جفافًا في الطبع وغلظة في القول لا يملك إلا أن يلين وأن يتأثر إزاء مستمع صبور عطوف يلوذ بالصمت إذا أخذ محدثه الغضب".
 

وقد يسمي الأب ولده اسماً طيباً ولكن لا يناديه به بل قد ينادي بعض الآباء أولادهم بما يؤلمهم نفسيا عند الخطأ أو التقصير كقوله: "يا فاشل" أو "يا خائبة" فهذه النداءات تضعف همتهم بل علينا تشجيعهم وتعزيزهم والمدح عليهم والثناء وخاصة أمام أصحابهم ومن يقاربهم سنا من أقاربهم بل إثابتهم عند عمل سلوك حسن فإن ذلك يؤثر في نفوسهم إيجابيا ويدخل فيها الفرحة والسعي للمزيد.
 

أيضا قد نجد تسلطا فكريا من قبل الأب لأبنه وقد يوجد هذا الأمر عند طبقة من الآباء المثقفين فمثلا يكون الأب طبيبا فيريد إن يكون ابنه طبيبا مثله، فيجبر ابنه على خطوط محدده، فليس الأمر كذلك بل عليه احترام قدراته حتى ولو كانت بسيطة فقد يكون الولد غير متفوق في طريقه التعليمي ولكنه يمهر بهواية ما، لذلك لابد من ملاحظة مواهبه وتنميتها فقد نجد من خلالها نجاحا غير متوقع.
 

ومعاملة الأب لزوجته تعود على الأولاد بعواقب وخيمة، كما نجد من أب ساخر من زوجته دائما أمام الأولاد فمن الطبيعي أن تفقد الأم هيبتها أمام أولادها فلا يستمعون لحديث لها ولا حتى نصيحة من قبلها فلابد على الزوج احترام زوجته وتقديرها أمام أولاده ليرى من ذلك ثمرة لطاعاتها.
 

قد يتعرض بعض الآباء لزيادة من التوتر بسبب مشكلة خارجية فيعود هذا التوتر بوقوع المشكلات وإفساد العلاقة بينه وبين أولاده.
 

فالتوتر يعود بانعكاسه على صدور أولاده فترتفع نسبة الضريبة التي يدفعها؛ لذلك إنني أهيب بالآباء أن يقللوا نوبات الغضب بالاستعانة بالله سبحانه، فيكثروا من الاستغفار والتوبة والقيام بالوضوء على التو عند الغضب.
 

إننا لن نستطيع أن نحقق المجتمع الرباني واستقامة الأفراد على دين الله _سبحانه وتعالى_ إلا أن نسعى سعياً لتوطيد علاقة الأبوين أولا بالله سبحانه وتعالى، فتقوى الأبوين لله تعالى تكون بمثابة الدرع الواقي للأبناء فهي من الأسباب الميسرة أيضا لنجاة الأبناء مستقبلا، لقوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}.