عن تربية الوحوش أتحدث ..!
18 ذو الحجه 1439
د. خالد رُوشه

العملية التربوية عملية تراتبية تراكمية معقدة ، تختلط فيها المشاعر بالمعلومات والموروثات بالطبائع .

كما أنها عملية تستغرق زمنا هو في الحقيقة زمن معايشة الإنسان لبيئته ولمجتمعه ، وهي دوما تتاثر بما يحصل في ذلك المجتمع وطباعة .

فلا تستغرب أن ترى تلك النظرة المنكسرة في عين طفل فقير ، إذ قد اعتاد ان يراها كل يوم في عين أبيه !

ولا تتعجب من تلك النظرة الإستعلائية التي تعلو طفلا قد تربى في مجتمع عنصري متعجرف .

ولا تتساءل عن مصدر تلك المشاعر الجافة التي تحيط بنفسية طفل قد تربى في مجتمع المادة والآلة بعيدا عن المعاني القلبية الرقيقة .

الحقيقة أن كل ما سبق وعلى الرغم من كونه موجودا في أماكن شتى تأثرا ببيئته ، إلا أن السكوت عليه جريمة تربوية ، وإلا تربى الأبناء بنفوس غارقة في الأمراض والصفات السلبية

 

على جانب آخر ، وفي ظاهرة سلبية هي الأخرى ، نجد البعض من الآباء والأمهات , نتيجة ما يرونه حاصلا في المجتمعات من تراجع أخلاقي وسلوكي , يعمدون إلى تعليم ابنائهم صفات سلبية , يظنونها هي الطريقة المثلى لحماية أبنائهم من الفاسدين , فيعلمونهم القسوة , والجفوة , وسوء الظن , والحدة , والنفعية , والوحشية وغيرها من الصفات التي اسمحوا لي أن أطلق عليها " الصفات الذئبية "

 

يبدو بوضوح أن دوافع الوالدين في ذلك هو حماية الأبناء من توحش المجتمع , وحتى لايكونوا فريسة سهلة للمنحرفين فيه , وليستطيعوا أن يقفوا على أقدامهم في مجتمعات يطحن فيها الضعيف ويستهان به .. هكذا رؤيتهم وهكذا دوافعهم , وأنا أرفض تلك الرؤية , وأخطىء تلك النظرة تخطيئا .

 

إننا لو قبلنا ذلك النوع من التربية , سنكون داعين إلى سبب جديد لانتشار الانحراف المجتمعي , وزيادته , وقد يكون هذه المرة بشكل مقنن ! .. فقد أتوقع أن يدعو البعض إلى مؤسسة تعلم الأبناء كيفية التوحش والقسوة والجفوة والحدة وغيرها , وقد يتطور الأمر إلى أن نرى استنكارا مجتمعيا لأصحاب الأخلاق الحسنة والرقيقة والنقية والهادئة والمهذبة ..الخ !

 

أؤكد لكم أيها الآباء والأمهات أنكم بذلك تربون في بيوتكم وحوشا , لا ابناء , وأن هذا الوحش الذي تربيه ببيتك , عما قليل سيكبر , وستكون أنت أول من يعاني من توحشه !

 

كما أنه سيحمل بين جنبيه قلبا قاسبا يبعد به عن الصالحات , ويهون عليه آلام الناس , ويصير نفعيا بغيضا , وقد يكون أنانيا متكبرا مكروها , مهما بدا ناجحا على المستوى المادي الدنيوي .

 

في تربية الأبناء يجب ان نؤكد لهم على ما عندهم في نفوسهم من نقاوة الفطرة , وشفافية المشاعر , وحسن الأخلاق تجاه الناس , وبياض النفس , وتمنى الخير للغير ..

 

يجب أن نعلمهم الرفق , والصبر , والحلم , والأناة , والإيثار , والعطاء , والتيسير على الناس , وحسن الظن فيهم , والمسارعة إلى خدمتهم بلا مقابل ...وغيرها من أخلاق المروءة والفضيلة ..

 

هكذا علمنا ديننا , وهكذا علم الأنبياء جميعا , وهكذا طريقتهم " فبهداهم اقتده "

 

إن كنت تخاف من أهل الانحراف في المجتمع , فحذر أبناءك منهم تحذيرا جيدا , وعرفهم صفاتهم وعلاماتهم , وربهم تربية متكاملة , فقو شخصيتهم , وأحسن بناء رؤيتهم العقلية , وفهمهم كيف يرون الواقع من حولهم رؤية متوازنة .

 

علمهم كيف يجتنبون السوء وأهله , ويقتربون من الخير وأهله , علمهم الحكمة التي هي وضع الشىء موضعه , وربهم على الجدية والحزم في مواضع المسئولية .

علموهم ما ينير قلوبهم , من صفات الصلاح والتقوى , فهي خير حافظ في طريق الحياة , مهما بعدت بهم الدروب ..