مصيدة الأخطاء.. الغفلة عن الخلوة بالله والمناجاة..
19 رمضان 1439
د. خالد رُوشه

أيام رمضان أيام سعادة قلبية، وهناءة روحية، وتقارب أسري، واجتماع للأصدقاء والمعارف..

إنه ولاشك شيء إيجابي حسن.. لكن مالا أراه حسنا في ذلك ما يحصل من كثيرين من غفلة تبتلعهم في أجواء رمضان وصحبته وكثرة المحيطين بنا فيه..

 

لا تستغرب من كلماتي أيها القارئ العزيز، فكثير منا يغفل في رمضان ولا يفيق إلا بعد فوات أيامه..

 

وأهم سبب في فواتها هو ذلك الانشغال بالاجتماع والمؤانسة مع اهمال الخلوة والمناجاة والتبتل لله سبحانه..

 

لقد كان النبي صلى الله عيه وسلم يهتم بهذه الخلوة وهذا التبتل في رمضان اهتماما واضحا، فكان يعتكف مختليا، وكان يتهجد ليله مناجيا داعيا راجيا..

 

ألسنا بحاجة في رمضان بالخصوص إلى مناجاة الله سبحانه واستغفاره ودعائه والقرب إليه والتبتل إليه؟

 

أليس هذا الشهر هو أولى الشهور بالخلوة الصالحة في جوف الليل الآخر؟!

 

والخلوة ليس معناها العزلة وليست هي خلوات التصوف أو الترهبن، إنها خلوة مع القرآن والدعاء والتفكر والاستغفار، إنها خلوة المناجاة.

 

والمناجاة عزيزة لا تنال بمجرد التمني، وإنما تحتاج استحضار القلب وانفتاح الصدر وانشراحه.

 

ولا يمكن أن يلوذ بالمناجاة على حقها إلا من علم أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ومن ثم ناجاه سبحانه وهو به عارف ويدعوه ويسأله بأسمائه وصفاته التي تناسب المقام.

 

كذلك لا يمكن أن يلوذ بالمناجاة ويؤديها على حقها إلا من تمت ثقته بربه وعلم أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه سبحانه.

 

إنها نوع من التبتل والخلوة له سبحانه يبث فيها المرء شكواه واثقا في قدرة الله سبحانه.

 

والمؤمن لا يمكنه استحضار هذا المعنى إلا إذا انقطع عن هوى نفسه وانفصل عن متاع الدنيا فلم يعد يمس قلبه حتى لو ملكته يده فهو لا يشعر به ولا يجد له لذة ولا حلاوة.

 

قال السعدي رحمه الله في تفسير: " وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً": "أي انقطع إليه، فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه هو الانفصال بالقلب عن الخلائق والاتصاف بمحبة الله وما يقرب إليه ويوفي من رضاه"

 

والمؤمن الصالح المتبتل إلى الله عز وجل في رمضان يجتهد في العبادة ويخلصها إلى الله عز وجل ويجعل نفسه وقفًا لله، لا يُنتفع به في شيء إلا لله، حتى إن عمل أعمال الدنيا فهو يعملها بنية صالحة لله سبحانه لا لغيره.

 

إن ليل المناجين المستغفرين المتبتلين لربهم في رمضان ليس كأي ليل، إنه اللذة العبادية البالغة والحلاوة الإيمانية السابغة، والشوق إلى الجنان وإرضاء الرحمن..