أخلاقيات غائبة في خلافات الزوجين
8 رجب 1439
د. خالد رُوشه

 

لحظات الغضب لحظات كاشفة لحقيقة القيم والمبادىء والطبائع ، وأوقات الشدائد مسفرة عن معدن الإنسان ، والخلافات موطن مناسب لبيان القدرة على الاستمساك بالتعاليم والثوابت .

 

واوقات الخلافات الزوجية ومواقفها مثبتة أو نافية لكل دعاوي الشرف والوفاء والعدل وغيرها مما ادعاه أحد الزوجين أنه يلتزم به تجاه الآخر

 

كثير من الأزواج يبتعد عن معالي القيم و تسيطر عليه مشاعر الرغبة في الانتقام , فربما انتهت بعض الخلافات الزوجية إلى مالايحمد عقباه من  هدم للبيوت , أو إلى صراع عائلي واسع النطاق أو إلى ضياع الحقوق .

 

وفي تلك اللحظات الملتهبة تُنسى الوصايا النبوية ويغفل الناس عن كريم المعاني التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها أن يحسن الرجل إلى زوجته إحسانا , فقال " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله " ، وقال : " استوصوا بالنساء خيرا " , وقال : " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا أحب منها آخر " اخرجه مسلم ، ووصف المرأة الصالحة بأنها " إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته "

 

فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبح المرء زوجته , ونهى أن يلطمها على وجهها , ونهى أن يمنعها الطعام والشراب , أو أن يؤذيها في نفسها , أو أن يتسبب لها في أي نوع من أنواع الضرر .

 

بل أمر بأن يكون عمل الزوجين في الخلاف سائرا نحو الصلح والتصالح فقال سبحانه "والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح "

 

وأنا ههنا اؤكد على خمسة اخلاق في الخلافات :

 

فالأول : العدل , فكثير من الرجال يطلب حقه وينسى واجباته , وهذا خلل في مطلب العدل .

 

 وكثير من النساء لا ترى في زوجها عند الخلاف إلا كل نقيصة , وتنسى الخير , فتكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن النساء " يكفرن العشير " .

 

 فالعدل مطلب أساسي عند الخلاف , ومطلب أخلاقي إسلامي يبنى على أساسه الصلح , وينشأ الحق , ويتم الرضى والتراضي بين الزوجين .

 

والثاني :  كظم الغيظ ، فالله عز وجل قد وكل القوامة للرجل واوكل بها صلاحية التطليق , ولكنه سبحانه لم يعط الرجل أهلية التطليق كي يستخدم ذلك كلما غضب .

 

 وكم من بيت تهدم لأجل عدم قدرة الزوج على كظم الغيظ , فكثر تطليقه لزوجته . ومن كظم الغيظ عدم التجرؤ على إيذاء الزوجة , وعدم الإقدام على سبابها أو الانتقاص منها أو تقبيحها .

 

والثالث : الوفاء , قال سبحانه منبها إلى هذا الخلق العظيم " ولا تنسوا الفضل بينكم " .

 

فليس بمجرد الخلاف بين الزوجين يتناسى أحدهما وفاءه تجاه زوجه , فالوفاء خلق يعمل عمل الجاذب للفرقاء في لحظة الخلافات , وعمل المطهر لما قد يحيك في النفس , فيذكر كل منهما لحظات الفضل , ولحظات المودة , ولحظات العطاء السابقة للخلافات , فتلين قلوبهما , ويتراضيا , وينبذا الشيطان .

 

والرابع : العفو , إذ يقول سبحانه وتعالى " وأن تعفو أقرب للتقوى " , فليعف كل صاحب حق من الزوجين عن الآخر , فإن العفو مكرمة , وهو مذيب لكل خلاف , والعفو والوفاء قرينان , فمن كان لديه وفاء سهل عليه العفو .

 

والخامس : العطاء , فعلى الزوج أن يكون معطاء لزوجته حتى لو خالفته , وحتى لو حصل بينهما فراق , فعليه أن يذكر سابق الحسنى , وعليه أن يرعى إن كان بينهما أولاد , أن يحسن إليهم , وأن ينفق عليهم , وأن يداوم السؤال عليهم .

 

وبالعموم يلزم الأزواج أن يجعلوا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم نبراسا لهم ومنهاجا في لحظات الخلاف , ولا يتركوا أنفسهم نهبا لقيل وقال , فإن شرع الله كله خير .

 

إن البيوت المسلمة لتظل مضيئة في أشد لحظات الحرج التي تمر بها مادامت قائمة على أمر الله , في حين تعم الظلمة بيوت اللذين تنكبوا الطريق وغفلوا عن نداء الإيمان ..

 

[email protected]