معاناة القلوب الرقيقة
11 جمادى الثانية 1439
د. خالد رُوشه

لاشىء أثمن في هذه الحياة من قلب رقيق طاهر عابد ، يستشعر الخير فيسارع إليه ، ويتاثر بكل متالم ومحتاج ويسارع في معونته والبذل له ، يرتجف لصرخة الطفل الباكي ، ويهتز لنداء الأم الثكلى .

 

إنه القلب الحي ، المتاثر بما يحصل حوله ، المعطاء لما في يديه ، الشجاع البذول ، المتطلع للحياة الآخرة ، الزاهد عن متاع الدنيا .

 

هذه هي جواهر الحياة من حولنا ، لاشىء يزنها أو يثقلها ، إذ هي النقاء بعينه ، والوفاء والفضائل .

 

الإسلام قد مدح كل قلب رقيق , وذم القلوب القاسية , ففي كتاب الله سبحانه قوله تعالى " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو اشد قسوة "

 

وحق لكل قلب رقيق أن يمتدح , فالقلوب الرقيقة هي الأكثر قربا إلى الله سبحانه و والأكثر تأثرا بالموعظة والتذكرة , والأقرب إلى الندم على ما فات والأقرب بالبكاء من خشية الله , والأكثر شعورا بالفقراء والضعفاء والمرضى وذوي الشكوى , وهي الأرفق بالناس في المعاملات والتصرفات , وهي الأكثر استمساكا بالقيم العليا والمبادئ السامية , بل إن الله سبحانه قد وصف نبيه بالرقة والرفق والرحمة فقال سبحانه : " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك "

 

 والله سبحانه قد لفت المؤمنين إلى تلك المعاني فيما يخص القرب منه سبحانه والعودة إليه عز وجل , وكأن الآيات تنبهنا إلى أن القلوب الرقيقة هي الخاشعة وهي المنيبة له سبحانه وهي صاحبة الرجاء في القبول عنده عز وجل فقال سبحانه :" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون "

 

 بل إن الآيات تعلمنا أن القسوة قد تقع من المسلمين أيضا ومن أهل الإيمان في لحظات مختلفة , وأن أهل الإيمان يتفاوتون في رقة القلب وقسوته , وأن النصيحة برفق القلب هي نصيحة لازمة للمؤمنين , وأن تحذيرهم من قسوة القلوب لازم مهم

 

ذلك بعكس القلوب القاسية والفظة , فهي لا تبالي عادة بالضعفاء , ولا تتأثر بالمواقف المؤلمة و ولا تكاد تشعر بآلام الآخرين , كما أنها بين يدي الله سبحانه متحجرة , لا تتأثر بالتذكرة ولا بالموعظة .

 

 وهل اشتكت الأرض إلا من غلظة القلوب , وهل تدنست مشارقها ومغاربها إلا من الأفظاظ الذين لا يبالون بصرخات الضعفاء ؟!  , بل إن قسوة القلوب تكاد أن تكون شرطا لكل من أراد أن يمارس الضرر , فالقلوب الرقيقة لا تقوى على الأذى , ولا ترتضي الإضرار .

 

 أتحدث عن هؤلاء القساة العصاة الذين وجدوا بغيتهم في مجتمعات لا تأبه للفضائل في مقابل المصالح , بل تدعو إلى المصلحة الذاتية , أتحدث عن هؤلاء القساة الذين يقر لهم نوم هادئ بين صرخات المتالمين , وهؤلاء الذين يستطيعون إسكات ضمائرهم عن الآهات من حولهم مادام ذلك لم يمسهم ولم ينتقص من مصالحهم أو يقترب من الإضرار بهم , أتحدث عن هؤلاء الذين يقيمون الحياة بميزان واحد فقط هو ميزان مكاسبهم المادية , ويديرون ظهورهم لكل ما يعوقهم عن تلك المكاسب مهما كانت فضيلة أو مكرمة بل مهما كان واجبا أو حقا  !

 

إن القضية مبادئية من الأساس , فمجتمعاتنا التي بدأت تتخلى عن مبادئها وقيمها هي التي سمحت بهذا أن ينمو بين جنباتها , وهي التي غذت تلك الروح السلبية ، وهي التي أغفلت صرخات المكلومين , فصار الناس يرون أصحاب القلوب الرقيقة غير قادرين على الإنجاز والنجاح لبذلهم وعطائهم وحملهم هموم غيرهم في حين يرون الجامدين القساة في مقامات النجاح

 

 إننا بحاجة إلى إعادة القيم الحقة إلى نصابها , وبحاجة أن نرفع شأن الخير والصلاح لعلنا أن نصحح مااخطاناه ..