لا يدخلنا اليأس عندما نرى أنصاف المتعلمين أو أنصاف المثقفين الذين يتقنون الانتهازية و يصلون إلى مواقع لا يستحقونها، بينما نجد أن أهل الكفاءة والثقة يبعدون وتصرف الأنظار عنهم.
لا يدخلنا اليأس رغم فداحة الخسارة في الدوائر الثقافية والإعلامية، ورغم مصيبة الأمة بما يجري أمام ناظريها، هناك خبراء متخصصون في إبراز نجوم من الكتاب والصحفيين وتلميعهم وتقديمهم للجمهور على أنهم هم الذين يملكون الحقيقة والفكر الثاقب ولا أحد غيرهم، وأما أهل الفضل والعلم والأكاديميين المتخصصين فقد شغلوهم بالسعي المعاشي ليكونوا مستوري الحال.
هناك متخصصون في نشر الفساد الخلقي، ولكن بأسماء مغايرة (لياً بألسنتهم وطعناً في الدين) وتحت عناوين تصرف الناس عن الخفايا، والمشاهد اليقظ يعلم كيف تسمم بعض القنوات الفضائية الأجواء الاجتماعية والثقافية.
هناك متخصصون في صرف الأنظار عن هموم الأمة الكبرى وإشغال الناس بمعارك حول أشياء ثانوية أو تافهة، فقد تحولت لعبة كرة القدم إلى وثنية جديدة وكل أسبوع تطالعنا بعض القنوات الفضائية بمشكلة ختان البنات، وكأنها هي مشكلة المسلمين الأولى. وهل عدم وجود (سيدات الأعمال) يؤدي إلى تقهقر الأمة؟ وهل تحويل المرأة عن وظيفتها الاجتماعية ورسالتها الأمومية هو الذي سيجعلنا في مصاف أرقى الأمم؟
هناك متخصصون – وهو الأخطر – في شراء النخبة بطرق غير مباشرة، مثل فتح صفحة لأحدهم في جريدة مشهورة أو مساعدة أحدهم في تأسيس منبر إعلامي كبير، أو ترتيب زيارات لدول و رؤساء، وطبعاً مع النزول في أفخم الفنادق وأرقى المطاعم. إنه شراء لأناس ربما كتموا حب الدنيا في قلوبهم لفترات طويلة، فلما جاءت وأراد الله أن يكشف عن خبيئة الصدور، استجابوا للمغريات و هرولوا إليها، أما الأحرار من العلماء والمثقفين والدعاة فهم الذين يتصدون لخدمة الأمة، وهؤلاء باتوا غرباء أمام جحافل الانتهازيين اللاهثين وراء المال و الذين يبدلون الحقائق والمبادئ.
إن طبقة الأحرار هؤلاء هم الذين يعيدون الثقة للأمة برجالها، ويعيدون الثقة لجيل الشباب من خلال التعامل وصحة الأفكار ووضوح الطريق، وليس من خلال فرض (الآبائية) ولا من خلال فرض الأفكار المستوردة والاغتراب الثقافي.