لماذا يظهروننا كعبيد للأجساد ؟
16 رجب 1428

رغم المصائب التي ألمت بهذه الأمة، فهي لا تزال معافاة من كثير من الأمراض الاجتماعية التي أصابت أمما أخرى وأثخنتها بالجراح والآفات.

هذه السلامة مردها إلى عوامل كثيرة أهمها دون شك أمران: تمسكها بدينها وتعاليمه، وثانيها تمسكها بالتناصح الأخلاقي ووجود من ينكر على أصحاب الرذائل منكرهم، ويدعو إلى المحافظة على الثوابت الدينية والأخلاقية.

لذلك لم يكن غريبا أن تركز الكثير من التقارير الصادرة عن منظمات دولية مشبوهة على التذمر من هذه القيم والمبادئ، وادعاء أنها تحدُ من حريات الشباب وتقمع رغباتهم الطبيعية، وأن تدعو إلى الثورة عليها وإطلاق العنان للحريات الجنسية في كل اتجاه ودون أي حدود.

منذ سنوات طويلة وقبل ظهور القنوات الفضائية ومواقع الانترنت – والى حد كبير حتى أيامنا هذه- يتم الترويج للكثير من الفكاهات والنكات التي تدور حول محور واحد وهو الجنس، وخاصة في نواحيه الغير شرعية الخيانة الزوجية وصولاً إلى الصور غير الطبيعية أي الشذوذ والانحلال الكامل.

ومن الواضح أن الهدف من تلك النكات أن تجعل من الخيانة والشذوذ أمرا مألوف السماع لدى الشباب والشيب، بحيث تستدعي الضحك والاستحسان بدلا من الاستهجان والاستنكار.

وهذا الأمر يسهل دون شك نشر الرذائل في المجتمعات المختلفة، فهي إن ألفت الاستماع إلى هذه التفاهات الخطيرة والتعقيب عليها بالضحك بدل الإنكار، ستكون أقرب إلى الرضا بها وعدم إنكارها في حال حدثت فعلا أو انتشرت وشاع أمرها.

واليوم يبدو أن بعض القنوات الفضائية ومواقع الانترنت تولت تلك المهمة الشيطانية، فصبت اهتمامها على نواحي الجنس والانحلال وأخذت تنبش الرذائل والتفاهات وتشبعها عرضا وتحليلا، حتى يخيل للمرء أنها القاعدة وأن العفاف والفضيلة هما الاستثناء.

وما برامج الفضائيات العربية التي تبحث في مسائل نظرية لا وجود لها إلا في خيالات معديها المريضة، مثل بنات الليل ورضاع الكبير من هذا ببعيد.

ومن سفه الأمور ادعاء تلك القنوات أنها تعرض المسائل وتناقشها لأنها مشكلة اجتماعية موجودة ولا يمكن إخفاؤها والتغافل عنها، ولأن النقاش علمي ومنطقي، وغير ذلك من الحجج الواهية التي لا تنطلي على أحد، حتى بسطاء العقول...
فأين تطرح اليوم مشكلة مثل إرضاع الكبير وكم من الناس يتأثر أو يهتم بها ؟؟؟

وما دامت المشكلات موجودة في المجتمع، و العرض والنقاش علميان فلماذا اللجوء إلى الاحتيال على بعض الفتيات البسيطات، ثم عرضهن على الملأ على أنهن فتيات ليل مما تسبب في تدمير حياتهن الخاصة، وذلك من أجل أن يصل بعض المهووسين بالشهرة إلى غايتهم ؟؟

أحد مواقع الإنترنت العربية المعروفة، اكتسب شهرة خاصة في نشرة للأخبار التافهة وعديمة الأهمية، سيما تلك المتعلقة بالجنس والشياطين والفتاوى الغريبة الشاذة، لكن الأغرب من هذا كله أن مؤشرات الموقع التي تدل على أي الأخبار أكثر قراءة وطباعة وإرسالا بالبريد، تدل دائما على أن أخبار الجنس هي دائما في الطليعة على جميع الأصعدة المذكورة، وأنها الأكثر طلبا من جانب القراء الذين يظهرون اهتماما خاصا بها، حسب مؤشرات الموقع المذكور.

والمسألة لا يمكن أن تكون كذلك على الإطلاق، فَـقُراء الانترنت العرب يتصفحون معظم المواقع المعروفة، ولا يظهر منها أن مؤشرات الموقع العتيد صحيحة، فهم يهتمون بالموضوعات السياسية والدينية والاجتماعية والعلمية وغيرها، وكلها موضوعات حية ذات تأثير مباشر على الواقع الاجتماعي، ولا يمكن تفسير هذا التحول الغريب نحو الأمور التافهة في ذلك الموقع، إلا أنه يريد إظهار الأمور بتلك الطريقة المغلوطة، وإظهار صورة المتصفحين العرب بهذه الصورة السفيهة والشاذة.

وهذه السياسة المقصودة ليست ابتكار الموقع العتيد، فالعديد من الكـُتاب والصحفيين كانوا ولا يزالون يحاولون وصم الأمة كلها بالأمة المصابة بالسعار والهوس الجنسي، مستدلين بحوادث فردية منعزلة لا تكاد أمة على الأرض تسلم من مثلها، ومتجاهلين أن السواد العام من الأمة ينكر تلك الحوادث وينأى عنها وعن مرتكبيها...


طبعا العرب والمسلمون لهم –كسائر البشر- أخطاء وزلات يقعون فيها كأفراد وجماعات، وليس القصد إظهارهم كملائكة معصومين، فهم لم ولن يكونوا كذلك يوما من الأيام، ولكنهم قطعا ليسوا تلك الجماعات المهووسة بالسعار الجنسي كما تحاول تلك الوسائل تصويرهم..

والإسلام لم يغفل تلك الناحية أبدا، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم جميعا- رجالا ونساء- يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن حياتهم الزوجية والمشاكل التي تواجههم فيها، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يستنكف من الجواب عليها بالقدر والتفصيل المطلوبين لحل الإشكالية المطروحة.

وقد سجلت أحداث السيرة الكثير من الحوادث حيث كانت الصحابيات رضي الله عنهن يسألن فيها عن أمورهن الخاصة ولم يكن ذلك يثير أي استغراب أو استنكار.
كما أن الفضائيات و مواقع الانترنت الإسلامية اليوم لا تخلو من زوايا للاستشارات والفتاوى المتعلقة بأمور الحياة الزوجية والتي تناقش استشارات القراء بطريقة مفصلة وعلمية بعيدا عن الخجل غير المحمود، وكل هذا لا ينكره أحد بل يشدد عليه العقلاء كضرورة لأخذ العلم من مصادره الموثوقة بدلا من استقائه من المصادر الموبوءة والمشبوهة.

الفرق بين الأسلوبين أن الطريقة الإسلامية في التعامل مع الموضوع هي إظهاره في إطاره وحجمه الصحيحين دون تعميم وتضخيم، وجعله وسيلة إلى حياة اجتماعية نظيفة، وأن الهدف من ذلك هو حل الإشكاليات وتنوير الجمهور بتلك الأمور التي كانت إلى وقت قريب من الأسرار التي لا يتحدث بها أحد. أما المواقع والقنوات المغرضة فهي تعرض المشكلة عرضا لا يهدف إلى إيجاد أي حل لها، بل تحاول قدر الإمكان أن تثير أكبر قدر من الاستثارة والضجة، ثم تخرج من كل تلك المعمعة دون أي نتيجة سوى أنها صورتنا كعبيد للشهوات والأجساد....