التقليد عريق في الإنسان كما يقول عالم الاجتماع الإسلامي ابن خلدون، فبعض الناس ليس عنده القدرة على التفلت من آصار التقليد أو لا يريد أن يتعب نفسه في البحث و التنقيب و السؤال والجواب، ولذلك كان من الأهمية
الحديث عن التجدد و التجديد فيما يظهر من أحداث و أمور ومشكلات أو فيما نحتاج إليه من مراجعات بين الفينة و الأخرى.
و من الأشياء التي بات الحديث عنها ضروريا إصلاح الوعظ وإصلاح الخطابة و الخطاب، فمن المؤكد أن الخطاب المزدوج والتصريحات المتناقضة في أمور الاجتماع والسياسة التي يتورط بها بعض الدعاة، هذه التصريحات تربك الشباب و تربك الجماهير و تضعهم في حيرة، وانه من غير المقبول أن نؤيد حدثاً ما في اندفاع عاطفي ثم ننقلب على هذا الرأي في اندفاع عاطفي أيضا .
إن الخطاب في ظل مجتمع إسلامي قد يكون مختلفا عندما يكون موجها للآخرين ، وعندما يكون موجهاً لعشرات الملايين سيكون مختلفاً عما إذا كان في عدد قليل، و عندما يتكلم الفقيه في الحلال والحرام يجب أن يعلم الناس الدليل والأسباب و التعليل ولو بشكل مبسط ، و يغرس في نفوسهم التقوى و الأخلاق، أي أن يربيهم من خلال الفتوى.
أرشدنا القران الكريم إلى الطرق الصحيحة في الخطاب (( فعندما تميل النفوس إلى مالا ينبغي ، يُذكّرها الله سبحانه بالمحبوبات التي تزيد ثمراتها أضعافاً عما تريد و تهوى ، قال تعالى : " واعلموا أنما أموالكم و أولادكم فتنة "، و أعقب ذلك مذكراً لهم بما يفوتهم إن هم افتتنوا بها " وإن الله عنده أجر عظيم "، و كقوله سبحانه : " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه". ))(1).
شهدت في أحد المساجد واعظاً وقف بعد صلاة العشاء وقال للمصلين: خمس دقائق فقط، و كررها وكأنه يخشى من خروج المصلين دون أن يستمعوا له، وزيادة في التأكيد ، و حتى لا يقوم أحد حذرهم بأنّ من لم يستمع فهو ( محروم)، و بدأ بكلمته وعظته ونسي نفسه و نسي وعده و استمر و أخذ من الوقت أكثر مما وعد ، و بعد انتهاء الموعظة بدأ بالدعاء و أطال فيه!
ترى كيف ستكون نظرة المصلين إلى هذا الشيخ الذي لم يلتزم بوعده، وهدد المصلين بأنهم محرومون إن لم يستمعوا له ، فهل هذا وعظ أم تبكيت .
خطيب يقف على المنبر في يوم الجمعة أكثر من ساعة و نصف وعندما نوقش في هذا، وما هي أسباب هذا التطويل قال : إنها فرصة لاجتماع الناس و لأحدثهم بما أريد ،هل هذا عذر؟! ، والمصلون سيأتون بعد أسبوع و أسابيع و يستطيع أن يبلغهم ما يريد.
و خطيب ينتقد من على المنبر طائفة من أهل السنة ، و قيل له : ما الفائدة من فتح هذه المعركة و هناك أخطار كبيرة على أهل السنة، ونتمنى أن يقف الجميع صفاً واحداً أمام هذه الأخطار الواقعة والقادمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- عبدا لرحمن السعدي : القواعد الحسان لتفسير القران /144.