الحركة النسوية وجندرة المناهج التعليمية
12 ربيع الثاني 1428
الهيثم زعفان

تعد المناهج التعليمية مائدة مثمرة ووسيلة فعالة تستثمرها الفرق المنحرفة متى أتيحت لها الفرصة في الاقتراب من دائرة صنع القرار المتحكم في محتوى تلك المناهج التي تسببت في تشكيل عقول كثير من أبناء الأمة الإسلامية وفق مرجعية واضعي المواد التعليمية التربوية والتي تباينت بين أفكار عدة شيوعية ، إلحادية ،علمانية وليبرالية وغيرها والتي انضمت إليها مؤخراً أطروحات الحركات النسوية الشاذة والتي يسيطر واضعوها على لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة

تلك اللجنة التي ترعى المؤتمرات الأممية والتي تبشر بالفكر النسوي وعلى رأسها مؤتمر بكين 1995 والذي وضعت فيه مجموعة من المقررات المنحرفة يعقد لها مؤتمر تقييمي كل عام لمتابعة تطبيقاتها وبحث الصعوبات التي تواجه تلك المقررات والتي سخرت لإسقاطها على أرض الواقع مليارات من الدولارات تحرك مجموعة من المنظمات النسوية في كافة أنحاء العالم وفي الدول الإسلامية بصفة مكثفة حيث تعمل على تطبيق مقررات بكين داخل تلك الدول وكذا مراقبة الحكومات في ترجمتها العملية لتلك المقررات تشريعياً وسياسياً وإعلامياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً، ليتحقق الهدف النهائي من تلك المقررات والمتمثل في صناعة قطيع من النساء متحرر ومتحلل من كافة الضوابط الشرعية وفيه تكون المرأة موجهة لحياتها الانحلالية كما تشاء ....

تقول المادة 96من وثيقة بكين :
" وتشمل حقوق الإنسان للمرأة حقها في أن تتحكم وأن تبت بحرية ومسؤولية في المسائل المتصلة بحياتها الجنسية " ولا تقتصر حريتها على النواحي الجسدية فقط بل تمتد إلى الحرية في اختيار الدين والمعتقد بحسب هواها هي تقول المادة 12 من تلك الوثيقة المشئومة التي أينعت بعض ثمراتها في البلدان المسلمة ( تمكين المرأة والنهوض بها ، بما في ذلك الحق في حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد على نحو يسهم في تلبية الاحتياجات المعنوية والأخلاقية والروحية والفكرية للنساء والرجال ، فرادى أو بالاشتراك مع غيرهم ، وبذلك تكفل لهم إمكانية إطلاق كامل طاقاتهم في المجتمع برسم مجرى حياتهم وفقاً لتطلعاتهم هم أنفسهم )

كما أن الأمر يمتد لإيجاد نموذج جديد من الرجال يطلق عليه " الرجل الجديد " وهو النموذج المعبر عن الدياثة والمتقبل للدور الانحلالي الجديد للمرأة الجديدة بل والمبشر به داخل المجتمع .أيضاً تضمين الاعتراف بحقوق الشواذ وحذف فكرة أنهم غير أسوياء من الأذهان وإحلالها بفكرة أن هذا توجه طبيعي للفرد وهذا ما حدث بصك اصطلاح "الجندر" في كافة المواثيق والأدبيات ليحل محل النوع وليشمل الشاذ إلى جانب الذكر والأنثى.

وآلية المناهج التعليمية التربوية يشدد على توظيفها في بنود بكين وعلى رأسها تضمين ما يطلق عليه "الجنس الآمن – safe sex " ضمن المناهج التربوية وهو مصطلح يقوم على حق المرأة في إشباع غريزتها بآمان وبالصورة التي تقررها هي لا التي تضبطها الشريعة الإسلامية ومن ثم فهي تمارس الجنس بصورة توفر لها الحماية من الأمراض الجنسية أو الحمل غير الشرعي وحتى يتحقق هذا الجنس الآمن لابد من توافر عنصرين هامين أولاً : تعليم الجنس والذي يأتي من خلال تعديل المناهج التعليمية لتصير جندرية، والثاني خدمات الصحة الإنجابية والمتمثل في توفير موانع الحمل والواقيات الذكرية والأنثوية لتحقيق الآمان عملياً.

"وتعليم الجنس sex education " : يقصد به تقديم جرعة تعليمية جنسية يتعرف المراهقون من خلالها على شتى الطرائق الجنسية والإشكالات المصاحبة لها ، ليتم اختيار الطريقة المناسبة والتي يتحقق من خلالها إشباع الغريزة دون النظر لكون الفرد متزوج أم لا دونما وقوع آثار جانبية غير مرغوبة للشخص المنحل مثل : الأمراض التناسلية أو الحمل غير الشرعي. وهذا المصطلح يتم طرحه في العالم العربي تحت مسمى الثقافة الجنسية .

والمادة 108 من وثيقة بكين تطالب بإدراج تعليم الجنس الآمن safe sex في المناهج التعليمية بالنسبة للأطفال ليتم ترسيخ الصورة المراد رسمها في وجدان ومخيلة الأطفال حيث تنص المادة على ضرورة (تصميم برامج محددة موجهة للمراهقين والرجال من جميع الأعمار تهدف إلى توفير معلومات كاملة ودقيقة عن السلوك الجنسي والإنجابي المأمون والمسئول بما في ذلك الاستخدام الطوعي لوسائل الوقاية الذكرية المناسبة والفعالة بغية الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز).

ولا يقتصر الأمر على مجرد الاستعراض النصي بل تحدد المادة 83 من ذات الوثيقة الإجراءات التي يتعين اتخاذها من جانب الحكومات والسلطات التعليمية وسواها من المؤسسات التعليمية والأكاديمية وأهمها ما أوردته الفقرة (ك) والتي نصها" وعند الاقتضاء إزالة الحواجز القانونية والتنظيمية والاجتماعية التي تعترض التعليم في مجال الصحة الجنسية والإنجابية في إطار برامج التعليم الرسمي بشأن مسائل الصحة النسائية ".

ونظراً لكثافة الضغوط على الحكومات العربية في الآونة الأخيرة لتعديل المناهج التعليمية وفق الأجندة النسوية ومفاهيم الجندر إضافة إلى النشاط الزائد للمنظمات النسوية العلمانية المتحركة بدولارات الحركة النسوية الغربية فقد بدأت تطرأ على مناهجنا التعليمية تغيرات ملحوظة في اتجاه الفكر النسوي الجندري .

ففي سوريا تم إجراء دراسة في إطار التعاون بين الحكومة السورية ومنظمات الأمم المتحدة والمتمثلة في هذه الدراسة في( اليونيسيف ) وكان عنوان الدراسة
" قياس البعد الجندري في الكتب والبيئة المدرسية في سورية "
حيث أظهرت الدراسة أن محتوى الكتب المدرسية السورية ما زال حافلاً بما وصف بالتمييز من خلال تكريسه للرجل كمحور للحياة وجعل كل جنس يتجمع حول جنسه ( الإبن حول أبيه والابنة حول أمها ) وترسيخ وضع الأم كربة بيت تعمل في البيت وتربي الأبناء بينما الأب يعمل خارج المنزل ليوفر احتياجات المعيشة وترسيخ هذا النظام الذي وصف بـ " التقليدي" في العقل الباطن للأطفال ليشبوا على أنه الوضع الطبيعي للحياة .

وكشفت الدراسة على أن وزارة التربية السورية تعمل حالياً على تدارك هذا الأمر من خلال إعداد مصفوفات عن مفاهيم الجندر مستمدة من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( cedaw) وإدخال مستحدثات من أبرزها :
- إدخال مفاهيم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في الكتب المدرسية .
- إدخال التربية السكانية "الجنسية" في المناهج التعليمية.
- تعديل صورة المرأة في المناهج والكتب لتتناسب مع مفاهيم الجندر .

وفي لبنان قامت فاديا كيوان (أستاذة جامعية وعضو سابق في الهيئة الوطنية للمرأة) بإعداد دراسة حول "صورة المرأة في المناهج وفي الكتب المدرسية في لبنان"حيث عقدت مقارنة بين الكتب المدرسية القديمة في لبنان والمناهج الجديدة أوضحت فيها أن استعراض المناهج الجديدة, يُظهر أن واضعي المناهج تنبهوا لئلا يخطئوا بحق المرأة عبر إعادة انتاج لا شعورية لصور تقليدية لها.

و أن المناهج الجديدة لا تتضمن أي انزلاق فيما وصفته بـ" الصور التقليدية" وإن كانت لا تتضمن أي موقف علني ملتزم بالعمل على إدخال مفاهيم وصــور جديدة في الثقافة الاجتماعية اللبنانية".
وهذا البناء الذي تبغيه كيوان اتضح في الدراسة التي أجرتها وزارة التربية بلبنان والمركز التربوي للبحث والإنماء اللبناني- بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة حيث تم فيها تحديد المواضيع التي يجب أن تدرج في المناهج التعليمية الصحية والبيئية، أشارت الدراسة إلى أن موضوع التربية الجنسية لم يكن منظور في أي من مناهج الدراسة وأن ظهوره ساهم في إثراء المناقشة مع التلاميذ.

والأمر الآن يمتد ليشمل المنظمات العربية الدولية المعنية بالتعليم والتربية في العالم العربي فقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) عن تعاونها مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو)، لإصلاح النظام التربوي في العالم العربي حيث كشف الاجتماع الذي عقده مدير عام اليونسكو، "كويشيرو ماتسورا"، مع "المنجي بوسنينة" مدير عام أليكسو عن إعلان بوسنينة خلال الاجتماع عن رغبته بمشاركة اليونسكو في إعداد تقرير بشأن إصلاح النظم التعليمية في الدول العربية، وتنسيق جهود الإصلاح، خاصة في مجال تدريب المعلمين ومراجعة المناهج الدراسية وتنمية القدرات لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.

تلك الإصلاحات التي تتضح معالمها وارتباطها بالأجندة النسوية من خلال سلسلة الاجتماعات التي أجرتها اللجنة المشتركة بين المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "ايسيسكو" والمكتب الإقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية والتي أسفرت عن تبني نواحي تعاونية في أنشطة تربوية منها إدخال المفاهيم الجنسية ومفاهيم الصحة الجنسية والإنجابية والجندر في المناهج الدراسية العربية .

إن المنحنى خطير والمنزلق وعر وتداعيات ذلك التعليم الجنسي الشاذ في جو اختلاطي يسود ;كثير من ظروف التعليم العربي وفي ظل تغييب قوى التوازن فإن النتائج ستكون وخيمة وليس بعيداً عنا ما آل إليه وضع المرأة في الغرب بسبب تلك المناهج المنحرفة فهذه "إي. دجي .ويلكنسن" تقول " لقد أدت السياسيات التعليمية الغربية إلى تغيير الطبيعة الفطرية عند الفتيات الأمر الذي انتهى بانهيار بناء الأسرة وظهور الممارسات الجنسية المختلطة غير المشروعة، وانتشار ظاهرة حمل الفتيات المراهقات، وظهور موجات العنف، وتعاطي المخدرات والكحول في أوساط الفتيات في الولايات المتحدة وبريطانيا".

إن الأمر بحاجة إلى الانتباه على كافة الأصعدة فأبناؤنا أمانة في أعناق الحكومات نستودعهم المدارس الحكومية ليكونوا فضلاء لا ليكونوا منحلين وكذلك دورنا أكبر في المتابعة المنزلية لأبنائنا حتى لا نصطدم بالواقع الأليم بعد فوات الأوان .