رسالة إلى العصرانيين
9 ربيع الثاني 1427
د. محمد العبدة

لا تناقض بين الاحتفاظ بالمبادئ نقية وفاعلة والعض عليها بالنواجذ، مهما اختلفت الظروف وتقلبت بالمسلم الأحوال وبين اليسر الإسلامي ورفع الحرج وسماحة الشريعة وتغير الفتوى مكاناً وزماناً لأسباب يجتهد فيها العلماء الراسخون.

وما هذا اليسر إلا لحياطة تلك المبادئ وحتى تسير الحياة الإنسانية وفقاً للفطرة ووفقاً للشريعة التي من أهم صفاتها السماحة، ولكن بعض الناس يعدون التمسك بالمبادئ والثوابت من التشدد والتزمت، فهل حقاً هو كذلك؟ وهل يمكن أن يكون الحق نصف حق، والباطل نصف باطل؟ أسئلة يجب على المسلم أن يقف عندها طويلاً قبل أن يقع في أحابيل من يسمون أنفسهم بـ(الإسلام المتنور) إلى أسماء كثيرة ابتدعوها.

قد لا يفقد المسلم صلاته، فالرسول _صلى الله عليه وسلم_ يخبرنا أن آخر ما نفقد الصلاة، ولكن هذا المسلم يبدأ بالتنازلات في المبادئ والعقائد ليقال عنه: معتدل أو متنور، وقد لا يكون عند هذا المسلم من العلم والذكاء والخبرة ما يميز به بين الانفتاح الصحي والمناسب وبين تسليم القلعة للمهاجمين، أي ليس لديه فكرة عن دوافع الغير حين يردد أفكارهم، هؤلاء الذين يتحدثون باسم (التجديد الديني) بينما هو في الحقيقة تجريد للدين من مضمونه ورسالته.

إن قتال أبي بكر _ رضي الله عنه _ لمانعي الزكاة يجب أن نستخلص منه دروساً كثيرة، كان _رضي الله عنه_ يتشبث بالمبادئ التي لا تنازل عنها (ولو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين) وإذا لم نقتدِ بأبي بكر في المحافظة على المبادئ فسوف لا نفقد (عقالاً) بل نفقد روح الإسلام.
إن الخطر كل الخطر هو في فقدان الثقة بالمعتقدات التي هي حياة الأمة، بل يمكن أن نقول: إن الأمة لا تنهض على قيم نسبية ليست ثابتة أو على أخلاق نسبية.

هناك فرق بين دين أنزله الله من السماء وبلغه محمد _صلى الله عليه وسلم_ للناس وبين (ساحة) اليونان والرومان التي تحدثوا فيها كثيراً واخترعوا فيها من الفلسفات والقوانين وسجلوها قيماً ومبادئ بعضها صحيح وأكثرها غير صحيح، إنه الفرق بين منطق اليونان ومنطق القرآن، قال _تعالى_: "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ" (الجاثـية:18).
طريق الاندماج مع أفكار غريبة عنّا طريق مسدود، طريقنا هو الاستقلال العقدي والتشريعي والحضاري، وبعد ذلك نأخذ ما يناسب وندَع ما يخالف.