قصدت بيته الحرام ، وتركت الأهل والولد ، وبذلت ما بذلت من مال وجهد ، وفررت إلى رب غفور ، ورفعت الاكف للدعاء ، توسلت وتذللت إليه سبحانه ليقبلك ، وطمعت في الرحمات ..
جاهدت في أداء المناسك كما امر رسولك صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم " ، وعظمت الشعائر، وأعلنت بالتلبية وأشهرت بالتوحيد ..
ورجعت ، عدت من هذه الأجواء الرائعة ، والمعاني السامية ، والصحبة الصالحة ، والعبادة المخلصة ، عدت من جوار البيت الحرام ، إلى طبيعة الحياة المعيشية المعتادة ، حيث الغفلة والانشغال ..
فاحذر ياصاحب النور أن يخبو نورك شيئا فشيئا ، وان تنأى معانيك الصالحة يوما بعد يوم ..
واحذر أن تنسى فضل الله عليك الذي اختارك وفضلك ومنحك الحج ، تلك المنة التي صارت صعبة المنال على ملايين المسلمين في الأرض ..
واحذر أن تنسى شكر ربك ليل نهار على هذه النعمة وعلى كل نعمة حصلت لك " ولئن شكرتم لأزيدنكم "
ياايها العائد ، لعلك أن تكون قد رجعت بالمغفرة ، فاحذر ان تخوض مع الخائضين في أعراض الناس ، فتظلم نفسك وتغمسها في حمأة متدنية ..
واياك أن تظلم غيرك بقول أو فعل ، أو أن تأخذ ماليس لك ، أو تنسى ان ترد الحقوق إلى أهلها ، إن أكل الحقوق مكدسة في النار ، ومغضبة للرب
ولا يكون ابدا حالك قبل الحج كحالك بعده ، بل تزود كما تزودت ، " فإن خير الزاد التقوى " ، تزود بنوايا صالحة ، وسلوكيات مخبتة ، وعبادات مخلصة ، وقلب سليم طاهر ..وذاك أفضل زاد
واحذر الإساءة لأهل بيتك ، أو اقاربك أو جيرانك ، واصبر على من اساء إليك منهم ، وسامح واعف " فمن عفا واصلح فاجره على الله "
واحذر أن تغفل عن ذكر الله سبحانه أو تنساه ، فبالذكر يطمئن قلبك ، وتستقر معاني الحج فيه ، وترتقي بك الدرجات .
وبادر إلى بر والديك ، واقترب منهما ، فثم الجنة ، واصبر عليهما فللصبر بشرى ، وقم بحقهما ، وارفق بهما ، ونل دعاءهما ، وافض عليهما السرور بالاقوال والأفعال ..
واياك ألا تعدل بين ابنائك ، وصاحبهم ، واهتم بهم ، وابذل لهم ، وأدبهم بأدب الإسلام الاوفى ، ومرهم بالصلاة واصطبر عليهم ، وكن لهم الراعي الواعي الحكيم ، وليس الآمر المسلط المتجبر ، تجد منهم الإحسان احسانا ، فيعينوك على شأن الدنيا والآخرة ..
واحذر أن يخالف باطنك ظاهرك ، فتزين نفسك أمام الناس وحالك مع الله مترد ، فإن ذلك سمت النفاق ، وطهر قلبك فإنه محل نظر الله إليك ، ولا تفرح بمدح الناس ولا تنتظر ثناءهم على عملك وعبادتك ، ففي الحديث القدسي " من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه "
وبينما أنت ياايها العائد سائرا في طرائق الحياة ، ليكن نصب عينيك ماعاهدت عليه ربك في يوم عرفة وغيره ، فأوف بالعهد ، واحذر من الانشغال بالعاجلة فتنسيك الآجلة .. فإنها قريب
وراع قلبك ، وداو أمراضه ، وسد خلله ، واقمع شهواته ، وثبت العقيدة الخالصة فيه ، الله سبحانه لايقبل غير القلوب السليمة يوم لاينفع مال ولابنون ..
ولتكن يقظا دائما ، واحذر السقوط في مراتع الذنب ، فتزل قدمك ، وتتلوث نفسك من مخالطته .
فاكثر من ذكر هاذم اللذات ، يتجدد في قلبك الخوف منه سبحانه ، وتتذكر الدار الآخرة ، والعمل لها ..
أما من فاتته الفرصة ، فليحسن الظن بربه ، وليدع الله كثيرا ، فالله سبحانه قريب يجيب دعوة الداع ..