نصيحتي للعائدين ..
4 محرم 1439
أميمة الجابر

قصدت بيته الحرام ، وتركت الأهل والولد ، وبذلت ما بذلت من مال وجهد ، وفررت إلى رب غفور ، ورفعت الاكف للدعاء ، توسلت وتذللت إليه سبحانه ليقبلك ، وطمعت في الرحمات ..

 

جاهدت في أداء المناسك كما امر رسولك صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم " ، وعظمت الشعائر، وأعلنت بالتلبية وأشهرت بالتوحيد ..

 

ورجعت ، عدت من هذه الأجواء الرائعة ، والمعاني السامية ، والصحبة الصالحة ، والعبادة المخلصة ، عدت من جوار البيت الحرام ، إلى طبيعة الحياة المعيشية المعتادة ، حيث الغفلة والانشغال ..

 

فاحذر ياصاحب النور أن يخبو نورك شيئا فشيئا ، وان تنأى معانيك الصالحة يوما بعد يوم ..

 

واحذر أن تنسى فضل الله عليك الذي اختارك وفضلك ومنحك الحج ، تلك المنة التي صارت صعبة المنال على ملايين المسلمين في الأرض ..

 

واحذر أن تنسى شكر ربك ليل نهار على هذه النعمة وعلى كل نعمة حصلت لك " ولئن شكرتم لأزيدنكم "

 

ياايها العائد ، لعلك أن تكون قد رجعت بالمغفرة ، فاحذر ان تخوض مع الخائضين في أعراض الناس ، فتظلم نفسك وتغمسها في حمأة متدنية ..

 

واياك أن تظلم غيرك بقول أو فعل ، أو أن تأخذ ماليس لك ، أو تنسى ان ترد الحقوق إلى أهلها ، إن أكل الحقوق مكدسة في النار ، ومغضبة للرب

 

ولا يكون ابدا حالك قبل الحج كحالك بعده ، بل تزود كما تزودت ، " فإن خير الزاد التقوى " ، تزود بنوايا صالحة ، وسلوكيات مخبتة ، وعبادات مخلصة ، وقلب سليم طاهر ..وذاك أفضل زاد

 

واحذر الإساءة لأهل بيتك ، أو اقاربك أو جيرانك ، واصبر على من اساء إليك منهم ، وسامح واعف " فمن عفا واصلح فاجره على الله "

 

واحذر أن تغفل عن ذكر الله سبحانه أو تنساه ، فبالذكر يطمئن قلبك ، وتستقر معاني الحج فيه ، وترتقي بك الدرجات .

 

وبادر إلى بر والديك ، واقترب منهما ، فثم الجنة ، واصبر عليهما فللصبر بشرى ، وقم بحقهما ، وارفق بهما ، ونل دعاءهما ، وافض عليهما السرور بالاقوال والأفعال ..

 

واياك ألا تعدل بين ابنائك ، وصاحبهم ، واهتم بهم ، وابذل لهم ، وأدبهم بأدب الإسلام الاوفى ، ومرهم بالصلاة واصطبر عليهم ، وكن لهم الراعي الواعي الحكيم ، وليس الآمر المسلط المتجبر ، تجد منهم الإحسان احسانا ، فيعينوك على شأن الدنيا والآخرة ..

 

واحذر أن يخالف باطنك ظاهرك ، فتزين نفسك أمام الناس وحالك مع الله مترد ، فإن ذلك سمت النفاق ، وطهر قلبك فإنه محل نظر الله إليك ، ولا تفرح بمدح الناس ولا تنتظر ثناءهم على عملك وعبادتك ، ففي الحديث القدسي " من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه "

 

وبينما أنت ياايها العائد سائرا في طرائق الحياة ، ليكن نصب عينيك ماعاهدت عليه ربك في يوم عرفة وغيره ، فأوف بالعهد ، واحذر من الانشغال بالعاجلة فتنسيك الآجلة .. فإنها قريب

 

وراع قلبك ، وداو أمراضه ، وسد خلله ، واقمع شهواته ، وثبت العقيدة الخالصة فيه ، الله سبحانه لايقبل غير القلوب السليمة يوم لاينفع مال ولابنون ..

 

ولتكن يقظا دائما ، واحذر السقوط في مراتع الذنب ، فتزل قدمك ، وتتلوث نفسك من مخالطته .

 

فاكثر من ذكر هاذم اللذات ، يتجدد في قلبك الخوف منه سبحانه ، وتتذكر الدار الآخرة ، والعمل لها ..

 

أما من فاتته الفرصة ، فليحسن الظن بربه ، وليدع الله كثيرا ، فالله سبحانه قريب يجيب دعوة الداع ..