قليل وتهز الآفاق من حولنا أصوات حروف التوحيد الشريفة المباركة ، عبر الموكب النوراني الرباني الابيض ..
تحط القلوب الهاوية إلى البيت العتيق ، وتستقر وتهدأ نبضاتها منتظرة بداية لحظات يوم التروية ..
مؤتمر هائل ، ونداء هادر مقصده الأول وغايته العليا تحقيق التوحيد وإعلاء شأن العبودية ..
لما سمع التلبية الصحابي جابر بن عبد الله قال : " أهل بالتوحيد " .. فابتدأ بشعار التوحيد في هذا المؤتمر الأكبر وكأنه إيذان بأنه العلامة الأولى والراية المتقدمة في تلك العبادة الربانية الإيمانية العظيمة
والآيات التي تحكي ابتداء البناء , تحكي بقضاء الله أن يقوم البيت على التوحيد ونبذ الشرك كأول مقومات له :" وإذ بوانا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود " , والمفسرون على أن تطهير البيت إنما هو تطهير من الشرك والوثن , وتخليصه للتوحيد والعبودية التامة
كما وصف الله سبحانه الحجيج الملبين للنداء المستجيبين لأمر الله , القادمين إلى البيت العتيق في الآيات التاليات بأنهم : " حنفاء لله غير مشركين به "
لذلك كان أول ماأرسل به الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر ثم عليا إلى مكة " ألا يحج بعد اليوم مشرك ولايطوف بالبيت عريان " أخرجه البخاري
كما ارتبط التوحيد بمناسك الحج , فجاء الذبح يشترط اسم الله عليه , إثباتا لربوبيته سبحانه إذ هو الذي رزقهم تلك الأنعام وإقرارا لألوهيته وتسليم العبادة - التي هي هنا الذبح والنسك - له سبحانه : " ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله اسلموا وبشر المخبتين .."
والسنن في الحج تشي بذلك المعنى بوضوح , فالقراءة في ركعتي الطواف يسن أن تكون بالإخلاص والكافرون , والذكر أثناء السعي يسن أن يكون التكبير والتهليل والتوحيد , وفي يوم عرفة قال صلى الله عليه وسلم :" خير الدعاء يوم عرفه وأفضل ما قلت أنا والنبيون من بعدي لا إله إلا الله " أخرجه الترمذي
كذا أمر بالإخلاص التام اثناء الحج أمرا متتابعا على كل وجه , فالسلوك كله لله والنسك كله لله والنية مخلصة له سبحانه لذلك لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يهل قال :" لبيك اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة " أخرجه ابن ماجه
قال ابن رجب : "ومما يجب اجتنابه على الحاج وبه يتم بر حجه ألا يقصد بحجه رياء ولا سمعة ولا مباهاة , ولا فخرا ولا خيلاء, ولا يقصد به إلاوجه الله ورضوانه, ويتواضع في حجه, ويستكين ويخشع لربه "