البعض يغضب من إبنته أو أخته إن هي رفضت شخصا تقدم لخطبتها ، والكثيرون يغضبون إن لم يوفق الخاطبان للقبول ، أو إن حدثت الخطبة ثم لم يحدث القبول بينهما ، ويعتبرون ذلك نقطة سوداء في سجلهم الاجتماعي .
هؤلاء إنما يرون الأمر بعين واحدة ، ولم ينظروا بحكمة ولا بهدي شرعي نبوي ..
إنه اختيار مهم ، بل يكاد أن يكون من أهم اختيارات الحياة أن تختار شريكة أو شريك الدرب ، وهي خطوة على أساسها يكون البيت المؤمن الجديد .
مااباس ان تقوم حياة بين زوجين على غير ما قبول نفسي شرعي ، ومااسوا أن تتم الموافقة فقط لأجل المسارعة بالزواج ..
ففي بعض الأحيان قد تضطر الفتاة الى الموافقة على الزواج وهي في قرارة نفسها لا تشعر بالقبول النفسي لهذا الخاطب ولا تتقبله زوجا لها ، بل وافقت مرغمة تارة او غافلة عما ينتظرها تارة أخرى !
بعضهن يوافقن فقط بسبب إلحاح الوالدين عليها ومحاولة عرض مميزاته أمامها ، ونحن لا ننكر أن الوالدين أصحاب خبرة وقد علمتهم السنين ما يكفى ليقبل النصح منهما ، ونصحهما على العين والراس ويتقدم كل نصح ، لكن لنفسح المجال أولا للابتداء وهو أن تقبل العين وترتاح النفس لشريك الحياة القادم عبر لقاء وحديث ورؤية شرعية في وجود الولي .
وقد يقع الوالدان أثناء النصح وإقناع إبنتهم بالشاب المتقدم لخطبتها في أخطاء ، فهم قد يؤثرون سلبا على نفسيه إبنتهم عندما يقولون لها هذه فرصة أمامك وإن ضاعت لن تستطيعي تعويضها مرة ثانية ، أو إلحاحهم بالموافقة حتى لا يفوتها قطار الزواج كما يقولون !
فليس من الصواب ، تخويف الإبنة من فوات سن الزواج لأن ذلك إستفزاز لمشاعرها ، ويسبب أيضا توترها وتشويش فكرها والتأثير الخاطىء على قرارها ، مما يجعلها عاجزة عن إتخاذ قرارها الصحيح في إختيار شريك حياتها .
نتفهم أن قلق الولي على مستقبل إبنته قد يدفعه لذلك ، ويجعل عنده الرغبة في تزويجها ، ونتفهم ايضا قلة خبرة الفتاة وضعف احاطتها بما يخص شأن الزواج وما يحيط به ، وغلبة العاطفة على اختيارها ، ونحن ولاشك نؤكد على أن يقود الولي السفينة ، ويبصر ابنته بالصواب ، لكن عند ذلك ينبغي عليه ألا يأمرها إلا عندما يشعر منها بالقبول والإرتياح النفسي لهذا الشاب المتقدم لخطبتها ، لأن القبول والإرتياح هما بذرة الحياة السعيدة إن شاء الله .
وأمر القبول غير قابل للنقاش كغيره من شروط الإختيار ، والقبول لا يأتي إلا من خلال الرؤية الشرعيه حيث تتآلف الأرواح ، وحدوث القبول الشكلي بوابة للاستمرار في الموضوع أو الإنسحاب منه بهدوء .
قد يقول بعض الناس الكلام المعروف في كل بيت عندما يريدون إقناع إبنتهم بزواج أحد الشباب ، أن المحبة والقبول سيأتيان بعد الزواج ، وسوف تتقبلينه مع العشرة .
وهذا أيضا قد يحدث للشاب المتقدم ، يوافق على عروسه دون قبول شكلي ونفسي ، قد يفكر في قرار زواجه بعقله ، يعجبه النسب والحسب والمال الذي يضمن له مستقبلا علي حد ظنه ، وبعد الزواج نجد المآسي بين الزوجين .
نسمع أحد الأزواج بعد خمسة عشرة عاما من زواجه , وعنده من الأولاد ثلاثة ، يقول : أشعر أن زوجتي غير مقبولة في عيني ماذا أفعل ، أطلقها أم أتزوج عليها ؟!!
وتقول إحدى الزوجات بعد زواج ثمانية عشر عاما ، عيني لم تقتنع به أثناء الخطبة ، ولم أوافق على الزواج منه إلا بسبب إلحاح والدي ووالدتي وإقناعهم لي مرددين أن مع العشرة سوف تتآلف قلوبكما ، وبعد الزواج أشعر دائما بالحزن ، فأنا لا أعيش معه إلا لوجود الأولاد بيننا ، خاصة عندما وجدت طباعي غير طباعه ، وكلما حاولت الاقتراب منه وإقناع نفسي به أجد منه سلوكيات تبعدني عنه .. !
النبي صلى الله عليه وسلم إهتم بأن يرى الشاب من يتزوجها في غير خلوة ، كالنظر من بعيد أو في وجود الولي فهذا اللقاء يكون بداية المودة والألفة ، فعن المغيرة بن شعبة قول النبي صلى الله عليه وسلم " فانظر إليها , فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " أخرجه الترمذي وابن ماجه ( اي أجدر أن تدوم المودة بينكما )
و عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ " قَالَ : فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا. اخرجه ابو داود
ولابد ألا يمنعهما الحياء من الرؤية الباعثة على القبول، وهذا المعنى قد استدل عليه العلماء من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى الخطيبة للنظر إليها ، كما في حديث أبي هريرة قال " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج بإمرأة من الأنصار , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنظرت إليها ؟ قال : لا , قال : فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا " اخرجه مسلم
قال الحافظ ابن حجر: فيه استحباب النظر إلى وجه من يريد تزوجها .
قال ولي الله الدهلوي : والسبب في استحباب النظر إلى المخطوبة أن يكون الزوج على روية، وأن يكون أبعد من الندم .
ففي اللقاء الأول على الفتاة ان تكون طبيعية فلا تتزين , حتى في إختيار الملابس ، لابد أن تعطي انطباعا بشكلها الطبيعي .
قال ابن عثيمين : " فإن في ظهورها هكذا – متزينة - مفسدة عليها؛ لأنه إن تزوجها ووجدها على غير البهاء الذي كان عهده رغب عنها، وتغيرت نظرته إليها "
وإذا كانت الفتاة لا تستطيع قبول الشخص كما هوفننصحها ألا تتزوج منه ، ولا ينبغي لها أن تظن أن الامور قد تتحسن بعد الزواج إذا لم يحدث قبول نفسي له عندها ، فلا يصح أن نبني حياتنا على ظنون قد تحدث وقد لا تحدث .
وبعض الآباء يعتقدون أن الرؤية يكفي فيها النظر السريع الخاطف وهذا خطأ بل تراه ويراها ويحسن أن يكون هناك حديث ولو بسيط بوجود المحرم .
ويجب أن ندرك أن الزواج مع عدم قبول نفسي قد يؤدي إلى زيادة الاضطرابات والمشاكل بين الزوجين ، والوقوف على كل صغيرة وكبيرة , إضافة إلى ندرة التعبير عن المشاعر وقد يؤدي إلى إهمال الزوجة لزوجها أو العكس ، وعدم أدائهما الحقوق الشرعية للآخر فيفتقدا إعفافا كان لازما لتماسك العلاقة بينهما وتماسك الكيان الأسري .
عدم القبول النفسي أيضا قد يدفع إلى إنهيار جانب الصراحة بينهما ، وتجنب المناقشات أو فتح الموضوعات وعدم الترحيب بالحوار ، وتأخر المصالحة عند حدوث أي شقاق مما يزيد الحاجز بينهما ، والشعور بغربة كل طرف عن الآخر .
بل قد يؤدي أيضا إلى شعور كل منهما بالاحباط والاكتئاب ، وإذا استمر عدم القبول ولم تمحه العشرة كما يقولون يعود ضرره على الأبناء ، ذلك لوضع الأطفال في ظروف إجتماعية ونفسية وتربوية غاية من الصعوبة ، فيظل الأطفال يعانون الاحباط والصراع والاضطرابات النفسية نتيجة ما يسشعرونه من نفور والديهما من بعضهما .
على الجانب الآخر فالقبول قد يساعد كل منهما على التغاضي عن أي سلوك أو تصرف يغضبه من شريكه ، وهو سبب في سهولة التصالح بعد الغضب ، وهو دافع للشوق عند البعد ، ويفتح الباب للمودة وهو من أهم المقومات المساعدة للاستمرار والانسجام بين الزوجين .
أما من لم يوفق فى هذا الأمر وقد تزوج على غير قبول نفسي فلا ييأس من تحسين أحواله ، وليبحث عن الوسائل والاساليب الحسنة والأفكار الطيبة ليتقرب من زوجه أو تتقرب من زوجها ، فالقلوب تتاثر بالكلام الحسن والرفق والهدية والاهتمام ، والعطاء ، وحسن الخلق ، وما سمي القلب قلبا إلا لتقلبه ، وما سمي الانسان إنسانا إلا لنسيانه ، فالقلب يتقلب بين الحب والبغض ، والمودة والنفور ، والنفس تارة ترضى ، وتارة تسخط ، وأملنا في الله تعالى كبير ، فبابه لا ينقطع عمن يرجونه فليس عليه إلا الدعاء فالله سبحانه قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه .