كثيرة هي كنوز هذا الدين العظيم , ولا تكاد تحصى جواهره وفضائله , فاعتناقه والدخول فيه يجُبُّ ما قبله من الكفر والشرك والفسوق والعصيان , ولا تزر في دين الله الحق وازرة وزر أخرى , و الحسنة فيه بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء , و الدال على الخير في دين الله الحنيف كفاعله , ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء .......
ولعل أشد المحفزات في دين الله تعالى لأتباعه المؤمنين على فعل الخير والتزام أعمال البر لا يكمن فحسب في مضاعفة الأجر والثواب على الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف لفاعل الخير او الملتزم بأمر الله ونهيه كما نص على ذلك كتاب الله تعالى : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } الأنعام/160 وقال تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } البقرة/261 ....بل في استمرار غنيمة الأجر والثواب لمن يدل على الخير ويحض الناس على التزام أعمال البر .
جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إِنِّى أُبْدِعَ بِى فَاحْمِلْنِى فَقَالَ : ( مَا عِنْدِى ) . فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ) صحيح مسلم برقم/5007
وفي رواية الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يستحمله فلم يجد عنده ما يتحمله فدله على آخر فحمله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الدال على الخير كفاعله ) سنن الترمذي برقم/2670 وصححه الألباني
وفي رواية ابن حبان في صحيحه عن أبي مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : (ما عندي ما أعطيكه ولكن ائت فلانا ) فأتى الرجل فأعطاه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله أو عامله ) صحيح ابن حبان برقم/289 وصححه الألباني وشعيب الأرنؤوط وقال : صحيح على شرط الشيخين .
وبعيدا عن اختلاف العلماء في المراد بحقيقة المثلية المذكورة في الحديث ؛ حيث ذهب البعض إلى القول بأن الدال كالفاعل في حصول مطلق الأجر لا المساواة، بينما التزام آخرون بظاهر الحديث من أن الدال له مثل أجر الفاعل حقيقة منوهين على أن المدار على صحة نية الدال على الخير، فعلى قدر صدقه وإخلاصه يعظم أجره......فإن ما يعنينا من الحديث في المقام الأول هو حث المسلمين على اغتنام هذه المنحة الإلهية وعدم تفويت هذه الفرصة المفتوحة لزيادة الحسنات ومضاعفة الأجر والثواب واستمراريته .
قد يكون من المألوف ملاحظة وجود فرق وتباين بين إقبال الناس على الأجر والثواب والمقابل المادي الدنيوي العاجل الملموس والمحسوس وبين إقبالهم على نظيره الأخروي الغيبي المأجل إلى يوم القيامة .... إلا أن اتساع الهوة بين السلوكين إلى حد بعيد وكبير يشير بشكل أو بآخر إلى مدى ضعف الإيمان في القلوب وتراجع قوة اليقين في النفوس .
قد تكون المقارنة التالية كفيلة بشرح ما سبق :
لعل الكثير من القراء يذكرون انتشار موضة العمل بما يسمى شركة "بزناس" أو "التسويق الهرمي الشبكي" أو "الشجري" في كثير من الدول العربية والإسلامية بشكل لافت في السنوات السابقة , والذييتلخص عملها في إقناع الشخص بشراء سلعة أو منتج على أن يقوم بإقناع آخرين بالشراء ليقنع هؤلاء آخرين أيضا بالشراء وهكذا، وكلما زادت طبقات المشتركين حصل الأول على عمولات أكثر، وكل مشترك يقنع من بعده بالاشتراك مقابل العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها إذا نجح في ضم مشتركين يلونه في قائمة الأعضاء ....
وبعيدا عن حكم الشرع في الاشتراك بهذا العمل الذي منعته وحرمته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية لأسباب كثيرة مستفيضة لا مجال لذكرها هنا ...... فإني أذكر حينها أن هذا التحفيز المادي القليل والموهوم من الشركة دفع الكثير من الشباب إلى بذل جهود جبارة لحث غيرهم من الأقارب والأصدقاء والجيران على شراء السلعة والانضمام إلى العمل بالشركة , وأدى إلى إقبالهم لتعلم مهارات حديثة في سبل الحوار وطرق إقناع الآخرين بأمر ما .
في مقابل ذلك لا يرى المتابع عشر معشار تلك الجهود من أبناء الأمة لدلالة الناس على الخير وحثهم على بذل المعروف رغم أن المقابل الذي وعدهم الله سبحانه به كبير وعظيم والجزاء الذي بشرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم دائم ومستمر .
إنه ضعف الإيمان الذي يحتاج إلى تقوية وقلة اليقين الذي لا بد من إحيائه في قلوب المسلمين لتعديل سلوكهم نحو العمل للآخرة بأضعاف ما يعملون لدنياهم , واغتنام المنح والمحفزات الإلهية والنبوية كما يغتنمون المحفزات الدنيوية على أقل تقدير .
ليس حديث : "أجر الدال على الخير كفالعه" هو الوحيد في دين الله الذي يفتح باب التسابق والتنافس لاستثمار هذا الفرصة الفريدة ....بل هناك أيضا حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا )صحيح مسلم برقم/6980 وحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ) صحيح مسلم برقم/5975
فهل من مشمّر لتحصيل أجر لا ينتهي وثواب مستمر كما بشر الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ؟!!