ناصح بالنهار .. خصيم بالليل !
15 شعبان 1438
د. خالد رُوشه

ليس في نصح الآخرين صعوبة تذكر ، بل مجرد اسداء النصيجة محبب لنفس الناصح ، إذ يضعه في مقام رفيع ، إنما الصعب في النصيحة هو الصدق فيها ، والإخلاص في أدائها ، وحسن تنفيذها وتبليغها .

 

البعض قد ادمن نصح الناس ، بينما هو لا ينظر لنفسه بنصيحة إلا نادرا ، فقد راى أن وظيفته في الحياة أنه ناصح غير منصوح ، ومعلم غير متعلم ، ومرشد غير محتاج لمن يبصره !

 

إنهم يستغربون جدا إذا ما وجدوا أحدا ينصحهم ، ويذكرونه – بينما هو ينصحهم بأنهم هم كذا وكذا .. ولو استمر الناصح في نصحه رأيت وجوههم قد علاها الغضب والكبر !

 

غالبا فهؤلاء لم يؤتوا نصيبا من علم أو قدرا من سماحة أو مساحة من نقاء ، إنهم متصلبون عنجهيون بالفارغ !

 

قد يسهل علينا أن نذكر بقيمة أوبمبدأ , أن نكتبها , أو أن ننصح , يسهل علينا ذلك ..خصوصا إذا كنا متمرسين في ذلك ..

 

لكن غالبا ما يصعب علينا للغاية أن ننفذ تلك النصائح والوصايا على أنفسنا إن نحن تعرضنا لذات المواقف !

 

الحديث عن هذا يطول , لكننا أردنا النظر إليه فيما يخص شأن وحدة الصف الإسلامي , إذ يظهر ذلك الخلل بجلاء , ويبدو ذلك المرض بوضوح , مرض نسيان النفس من الأمر بالخير والمعروف كما قال سبحانه معاتبا على أمثال هذا : " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ...."

 

فكم من داعية يرفع صوته بأوامر التعاون على البر والتقوى بينما هو متوحد في ذاته بعمله , متفرد برايه , مخاصم للآخرين .

 

 وكم من آخر يكتب الكتب والمقالات في التقارب والتعاهد على الخير , بينما هو البعيد عن اصدقائه , المخلف لكل عهد معهم , المفارق لكل قيمة تدعو للوحدة !

 

الطبيعي أن يكون المتحدث مقتنعا بما يحدث به , متشربا لمعانيه , قائما به حق قيام , ثم يبدا في شرحه للناس ونصحهم فيه , ليكون على بينة من أمر تطبيقه , وبيان أصول تنفيذه , وشرح كيفية التغلب على عقباته .

 

قد نقبل العذر أحيانا من البعض أن ينصح ببعض ما يسعى هو لتطبيقه والعمل به وإن لم يكن قد اكتمل عمله له , كمن ينصح بطاعة وهو يجاهد نفسه للعمل بها ولما يستقر عمله بعد ..

 

لكن كيف نقبل ممن يأمرون بالتعاون ثم هم يتفردون , ويأمرون بالوحدة ثم هم يتفرقون ؟! بل إنهم بالأصل رافضين إلا كل من وافقهم , معرضين عن كل من خالفهم ولو في مسألة واحدة ؟!

 

ههنا تبرز الآثار السلبية للنفوس المريضة , إنه بالفعل لايستطيع السيطرة على سلوك نفسه , ولا يقدر أن يطبق ما يكتبه أو ينصح به , ذلك أن هواه أقوى من أمنيته , وعجبه بنفسه أكبر من قيمته التي تكلم بها

 

إنه داء كذلك يتسلل إلى الأتباع , فيصابون به , فتجدهم هم الآخرون يدعون إلى ذواتهم وانتماءاتهم بكل رافة وتحبب , بينما يكشرون عن أنيابهم وتسوء أخلاقهم مع المخالف لهم ولو في مسألة واحدة .

 

راينا بأعين رؤوسنا كثيرا ممن ينصحون بالمسامحة بالنهار ثم هم يقودون طابور الفرقة بالليل !