كثيرا ما نقف أمام صور مختلفة عبر حياتنا .. و ننبهر ! , ما أجمل الألوان و الزخارف , صور تجذب المارين , تحمل رؤى و أفكارا , تحمل أفراحا و أحزانا ..
ومعي اليوم صورة جذبت نظر طبيب في مقتبل حياته ، فكانت أمنيته أن تصير ملكه !
وبينما كان في طريقه لعمل جديد , و أثناء سيره وجد نفسه يسير بجوار قصر كبير , يحيط به سور من نباتات مزهرة ملونة , و سمع أصوات الأطفال يلعبون ، يقول :
سرحت بخيالي لحظات .... و تمنيت أن يرزقنى الله تعالى مالا كثيرا لأشترى مثل هذا القصر, و يصير عندى أسرة و أطفالا مثل هؤلاء الأطفال الذين يلعبون بالداخل ..
يقول : بعد أن سرت بالجانب الآخر للقصر ووجدت بابه ، عرفت أنه هو المكان المطلوب لي العمل به , و بعد أن دخلت و نظرت ، ظهر لي الجانب الآخر من الصورة .!
ظهر لي حقيقة هذا القصر , استقبلتنى المديرة المسئولة عن المكان و رأيت أن هؤلاء الأطفال هم بعض المرضى المعاقين ذهنيا وعصبيا , وأن غرف القصر هي غرف المرضى من الأطفال بمختلف حالاتهم واقسامهم , وأن تلك الاصوات يجب أن تبعث على الشفقة والحزن والألم ، ولايمكن أن يتمناها إنسان !
زاد من ألمي لما التقيت بصاحبة القصر – التي تبرعت به وجعلته لعلاج الحالات الخاصة من الأطفال - ، قالت لي وهي تبكي : إننى أنظر من الشرفة وأجد بالخارج أولاد العاملة التى تشرف علي النظافة يلعبون , فأنظر إلي طفلتى العاجزة بألم ، لكم تمنيت أن أكون عاملة متواضعة واسكن في غرفتها البسيطة واجد طفلتي مثل طفلتها صحيحة سليمة معافاة !
يقول : أخذت درسا عمليا حقيقيا عن الرضا بالحال , و الحمد علي نعم الله القدير التى نتمتع بها و نحن غافلين عنها .
إن الناس عادة ينبهرون بالصورة الخارجية للأشياء و الأشخاص و الأماكن والبيوت والقصور ، يتلهفون للوصول لها , أو يتمنونها، ويحلمون بحياة غيرهم , غير راضين عن أحوالهم .
إن عدم الرضا ينعكس علي قلوبهم , يصيبها بكثير من الأمراض , فيحقد المحتاج علي الميسور , و الجاهل على صاحب العلم , و تحسد الفتاة متوسطة الجمال الفتاة الجميلة وهكذا ..
الكل يتنافس علي شكل الصورة , لكن الصورة غالبا ما تكون ناقصة , و هذا النقص لا يشعره و لا يراه إلا المتعايش فيها .
لن يرضى كل منا بصورته إلا عندما يؤمن بأن الدنيا هى دار فانية ، وأننا راحلين عنها بكل ما نحمل معنا من عمل , وسنترك فيها كل ما نحمل معنا من متاع !
فمهما جمعنا المال ، فلن نأخذ منه إلا ما تصدقنا به ، ومهما تنافسنا على ارقى الدرجات ، لن ينفعنا منها إلا ما نفعنا به غيرنا فكتب في ميزان حسناتنا ، حتى العلم لن ينفعنا منه إلا الإخلاص فيه ، والصدق في تلقيه وعطائه ..
القناعة والرضا يدفعان المرء إلى الحياة الهانئة الراضية ، تلك التي لا تنافس فيها ، ولا صراع ، ويعينه على كثرة الحمد والشكر ، و يجعل القليل عنده كثيرا , فيسعد بنفسه، ويسعد لغيره , إذ هو يعرف حقيقة الصورة جيدا أنها لا تكتمل إلا في الآخرة .