اعتاد الكثير من الناس على الكذب , وأصبح أسهل الطرق بالنسبة لهم للحصول على المكتسبات والهروب من الحقائق أو المعوقات , واستخدمه آخرون لحل المشكلات !
وإذا واجهت أحدهم إنما ينعت كذباته بالنية الحسنة ويصفها بالكذبة البيضاء , فهل في الكذب ألوان ؟!
لقد حذرنا سبحانه من الكذب فهو سبحانه لايحب الكاذبين , ولا يهديهم ولا يوفقهم , فكما في الحديث " الكذب يهدي للفجور "
وعندما يصل الكذب لأن يكون عادة بين الزوجين , نجد لزاما علينا أن نوجه تساؤلات :
فلنسأل الزوج عن سبب الكذب على زوجته ؟ وننتظر بالطبع أن يجيبنا بأنه يجوز الكذب على زوجته , وأنه قد يستخدم الكذب في الحياة تجنبا للنزاع والخلاف .
أما الزوجة فلئن سألناها عن سبب كذبها على زوجها , نتوقع منها أن تجيب قائلة : إنها تلجأ إليه بسبب ضغط الزوج عليها , أو شدته عليها , أو سرعة غضبه , أو لكونه يقيد حريتها وتصرفاتها في كثير من الأوقات , أو تلجأ إلى الكذب خوفا منه عندما يواجهها بالخطأ ..
فلماذا أصبحت بيوتنا مبنية على هكذا حال من الكذب والبعد عن الصراحة والشفافية ؟! ..
وابتداء يهمنا أن نعلم الضابط الشرعي في مسألة الكذب هذه وحدودها ثم ننظر بنظرتنا التربوية إليها :
فأمر الكذب على الزوجة لم يكن ابدا بإطلاق هكذا , وإلا صارت حياة كاذبة قائمة على الزور .
إنما أباح الإسلام مدح الزوجة بما ليس فيها تحبيبا لها في زوجها وزيادة للمودة والمحبة بينهما , أو للإصلاح بينها وبين من خاصمته ..
قال الخطابي : " كذب الرجل على زوجته أن يعدها ويمنيها ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم بذلك صحبتها ويصلح من خلقها " عون المعبود 13/179 .
وقال الحافظ ابن حجر : " واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقاً عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها " فتح الباري 6/228 .
وقال الإمام النووي :" وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك , فأما المخادعة في صنع ما عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين" شرح النووي على مسلم 16/158 .
وقال : " والأحوط في ذلك كله أن يوري ومعنى التورية أن يقصد في كلامه مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ بالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب " شرح الرياض
وعلى الجانب الآخر , فلنسأل ماذا فعل الزوج وماهي الصفات عنده تلك التي دعت إلى وصول الحياة الزوجية لأن تكتسي برداء الكذب ؟!
إن الزوجة التي تكذب على زوجها خوفا من غضبه وأذاه وغلظته , ترد السبب إليه , فالخوف في وجهة نظرها لا يجتمع مع المحبة , ولا الغلظة تجتمع مع المودة , ولا الرحمة تجتمع مع الجفاء .
بل إن الحب والصدق كالصديقين المرتبطين , فلو تخلف أحدهما تخلف الآخر , وصار الكذب ذئبا يطارد علاقتها !
ولكي نزرع الصدق بين الزوجين لابد أن يقوم كل منهما بدوره في بث المودة الصادقة الحقيقية للطرف الآخر .
ولكي نزرع الصدق فلابد أن يتقرب كل منهما لله سبحانه , فيعبده صادقا , ويربي نفسه على الصدق , حتى يصل إلى منزلة المؤمن الحق , فالمؤمن لايكذب , وقد قال سبحانه :" ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " التوبة
ولكي نزرع الصدق في بيوتنا فلابد أن يتعلم الزوجان المسامحة والعفو , ويتجاوزا عن الهفوات والزلات .
كما يجب ألا يصاحب أحد الزوجين أحدا من الكذابين الذين اعتادوا الكذب في بيوتهم , فلطالما كان سبب فشل البيوت صحبة السوء سواء أ كان للزوج أو الزوجة , فهما ينقلان السلوك والمفاهيم والمعاملات بغير تدبر وبتقليد أعمى !
وليعلم الأبوان أن البيئة الأسرية المبنية على الكذب ستكون بيئة سوء , ومضيعة للأبناء , الذين يقتدون بوالديهم , فيعرفون الكذب ويرونه ويعيشونه , ويعتادون على قبوله والحياة به .
إن السبب الأول لظهور الشك بين الزوجين هو تعاهد الكذب بينهما , وعدم الثقة في حديث كل منهما للآخر , فإنه مهما طال الكذب فإنه سيظهر ولو بعد حين , فقد تمر الكذبة والاثنتان , لكن لاتمر الثالثة , وربما تكون سببا في إظهار الغش أو الخديعة التي معها تفشل البيوت .
إننا يجب أن نبث في نفوسنا ونفوس أزواجنا وابنائنا قيم المراقبة الإيمانية , والإيمان باليوم الآخر إذ نحن قادمون لا محالة أمام رب لايعزب عنه مثقال ذرة , فيواجهنا بما قدمنا , وتشهد علينا جوارحنا , والسنتنا بما كذبت ..
فليس لنا إلا التوبة والأوبة إلى الله سبحانه وإلى بداية صفحة جديدة مع الله سبحانه , صفحة صدق نظيفة من الشوائب , كي نقدمها بايماننا , عسى ربنا أن يرحمنا ويصلح متقلبنا ومثوانا .