العطر
20 شوال 1437
د. خالد رُوشه

[email protected]

باعث الذكريات الحسنة , كلما نثر أو مررت به , يهيج عليك الايام الخاليات مما تحب أن تتذكر , تعود معه الذكريات وكأن بينها وبينه رابط يربطها كلما نثر من حولك ..

 

 

وصديق التفاؤل , إذ كأن التفاؤل قد قرن بالعطر الحسن , فما أن ينثر من حولك إلا وتحيطك مشاعر الأمل , وتستدعي نفسك معاني التفاؤل , ويزورك الطموح نحو ما ترجو وتحب ..

 

 

ونديم الرجاءات , فكل رجاء ينبعث مع العطر , والأحلام الطيبة تجد حالها معه , والنفوس الطيبة تسكن إليه , وتستريح معه , وتتهيأ بأحسن أثوابها له ..

 

 

وكأن لكل عطر لغته , وحروفه , وأثره الخاص به , فهذا يدعوك إلى النشاط , وذاك يدعوك إلى المودة , وثالث يدعوك إلى الأمل , ورابع يدعوك إلى التفاؤل .. وهكذا

 

 

وللناس في عطورهم مدارس ومناهج وأمزجة , بحسب ثقافتهم , وعلمهم وطبيعة نفوسهم , فمنهم من يحب العطر الهادىء , ومنهم من يفضل العطر الهائج مثل موج البحر ..

 

 

إنه من أجمل الأشياء في تلك الحياة ..

 

 

حبب إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم , كما في الحديث " حبب إلى من دنياكم الطيب .." اخرجه أحمد والنسائي

 

 

 وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا أتي بطيب لم يرده" رواه النسائي

 

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: «من عرض عليه طيب، وفي رواية، ريحان، فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل» رواه مسلم.

 

 

وكان أحب الطيب إليه الألوة والعود والمسك والعنبر , وهي من أفضل العطور في زمانه صلى الله عليه وسلم , بل لها ايضا تميز من حيث الاختيار , فهي عطور ذكورية , ليست نسائية , كما في حديث عائشة رضي الله عنها ..

 

 

قالت عائشة رضي الله عنها  عائشة رضي الله عنها :" كان رسول الله صل الله عليه وسلم يتطيب بذكارة الطيب: المسك والعنبر" أخرجه النسائي

 

 

وعن نافع قال: كان ابن عمر يستجمر بالألوّة غير مطراة والكافور يطرحه مع الألوة ويقول: « هكذا كان يستجمر رسول الله صل الله عليه وسلم » رواه مسلم.

 

 

وشبه النبي صلى الله عليه وسلم الصديق الطيب صاحب الخير بحامل المسك , الذي يحذيك أو تبتاع منه العطر الحسن , فهو يعلمك الخير أو يصيبك من أخلاقه وعلمه وفضله ونفعه ..

 

 

وعرّفنا أن الشهيد يأتي يوم القيامة يتدفق الدم من جرحه , اللون لون الدم والريح ريح المسك  , وأن أرواح المؤمنين لما تصعد في السماء تصعد بأطيب ريح من ريح الجنة  , وأن الملائكة تجتمع للريح الحسن , وأن الشيطان ينفر من الريح الطيب ..

 

 

والعطر الحسن ينفر من صاحب الخلق السىء الردىء , فكأنه لا يتلاءم معه , ومهما تعطر العاصي فإن العطر يبغضه , ورائحة الذنوب تعمه وتغرقه ..

 

 

فلا قيمة لعطر بدون سلوك , ولا اثر لريح حسن بغير قلب طيب حسن  , ومن الناس فقراء لايستطيعون شراء عطر طيب , لكن قلوبهم وأخلاقهم ونفوسهم تنثر عطرا طيبا في كل مكان , فهم يحفظون طهارة أبدانهم مع طهارة قلوبهم  , وهو خير العطور ..

 

 

يقول ابن القيم : " الطيب غذاء الروح التي هي مطية القوى، والقوى تتضاعف وتزيد بالطيب كما تزيد بالغذاء والشراب والدعة والسرور ومعاشرة الأحبة، وحدوث الأمور المحبوبة "

 

 

لذلك فقد عذروا من أنفق كثيرا من ماله على العطر , وعذروا من أدمن حب الريح الطيب , وعذروا من أحب أناسا من حسن عطرهم وحسن خلقهم ..

 

 

 

ومن الناس من ينثرون العطر البديع أينما كانوا ..فكلماتهم عطر , ودقات قلوبهم عطر وأفكارهم عطر ..

 

 

وأحسن الناس من جمع إلى العطر الحسن , خلقا حسنا , وعلما حسنا , وعطاء بنفس طيبة , فهؤلاء هم نبلاء الحياة , وزينة الناس ..

 

 

واقرب الناس تشبيها بالعطر هم العلماء الربانيون الصالحون , والدعاة الأخيار الطيبون , فهم كالعطر أينما حلوا , ينثرون بنافع علمهم على العقول والقلوب الخير والهدى والنور , ويتركون آثار عطرهم على كل بقعة حلوا بها وكل قلب التقوه وجالسوه , فماأحلى اثرهم على الناس وما أبقى عطرهم في النفوس ..