عندما غفلنا وأشغلتنا الدنيا , ونسينا أنفسنا , حتى قست قلوبنا , ( تلك القلوب التي لايعلم سرها إلا الله سبحانه " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ") صرنا بحاجة ماسة للعودة إلى تفقد تلك القلوب , لإعادة الروح إليها من جديد ..
جمهور المفسرين في تفسير قوله تعالى " وثيابك فطهر " على أنه هو القلب – كما قال ابن القيم , ويقول ابو هريرة رضي الله عنه : " القلب ملك والأعضاء جنوده , فإن طاب الملك طابت جنوده وإن خبث القلب خبثت جنوده "
إن غفلة الكثير منا عن قلوبهم تجعلنا نتوقف ولو للحظات لنبحث وليسأل كل منا نفسه : لم تشتكي تلك القلوب ؟!
فسلامة القلب سبب لسعادته , وطمأنينته في الدنيا والآخرة " يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " الشعراء
وأمراض القلب متكاثرة , وأهم أسبابها هو الجهل بدين الله سبحانه واتباع الشهوات , وقلة الإخلاص , وكثرة الآثام من أكل الحرام وأكل أموال الناس بالباطل , والغش والخديعة , والنفاق وسوء الأخلاق وغيرها ..
وهانحن و رمضان , فرصة إيمانية لا مثيل لها , ربما تكون لأحدنا هي الأخيرة في حياته , فرصة لمجاهدة النفس وتنقية القلب .
فكم نحن بحاجة لمعية الله سبحانه في هذه الايام المباركة , ونحن بحاجة إلى الفرار إلى الله سبحانه بقلوب سليمة نظيفة , وبحاجة أن يبلغنا الله رمضان متقربين إليه بقلوب خاشعة تائبة منيبة , عسى أن يتقبلنا عنده من عتقائه ..
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " رواه مسلم
ويقول صلى الله عليه وسلم : " الا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " متفق عليه
وتحتاج قلوبنا أن تتقوى برجاء الله سبحانه والتوكل عليه , وأن تتطهر بالخوف من الله سبحانه والتوبة إليه .
ونحتاج كذلك أن نجاهد أنفسنا ونخالف هواها , ونستعيذ بالله من الشيطان عند غفلتها , والشعور بكسلها عن الطاعة ونشاطها في المعصية فإنه دلالة شر ..
قال صلى الله عليه وسلم : " تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا فايما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء , وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء , حتى تصير على قلبين : قلب أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض , والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا , لايعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا مااشرب من هواه " أخرجه مسلم
فدل الحديث على استمرار الابتلاء والامتحان , وأن الفتن لا تأتي دفعة واحدة ولكنها تأتي تدريجيا , شيئا فشيئا , حتى يصبح القلب أسود من تقبلها وتشربها , أو يسلمه الله سبحانه فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض .
فقلوبنا ضعيفة ونفوسنا الأمارة تلين مع ضعفها , والشيطان يزين ويزيد أثره في القلب ضعفا على ضعف .
لكننا قد بشرنا سبحانه عند مقاومة تلك الموانع بقوله :" وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى "
وكلنا يرتجي الجنة , ويبحث عنها , فلابد أن نقدم مهرها , وثمنها , وهي سلعة الله الغالية , فتستحق العطاء بكل ماأوتينا من قوة وبكل ما ملكنا من ثمن , إذ لا تجارة رابحة مثل تلك التجارة , ولا صفقة مفلحة مثل تلك الصفقة قال صلى الله عليه وسلم : " من خاف أدلج , ومن أدلج بلغ المنزل , ألا إن سلعة الله غالية , ألا إن سلعة الله الجنة "
ولنحافظ على حال قلوبنا , يجب أن نضع برنامجا لتلك المحافظة , ولا ندع قلوبنا لمهاب الريح , فإن القلوب تصدأ كصدأ الحديد , وجلاؤها ذكر الله سبحانه , وهو أول ما يجب علينا أن نهتم به دوما .
وذكر الله اشبه بالبيئة التي ينشط فيها القلب للطاعة , ويستخرج طاقاته للتوبة , ولو بعد عن هذه البيئة خمل وكسل .
وهناك جانب مهم لترويض القلوب وتليينها , في هذه الايام , فنأمرها بالإخلاص لله دوما , وعدم مراقبة الناس , وبإتقان عملها " عمل القلب " الذي هو أهم الأعمال , من الرجاء والخوف والإنابة والتوكل والصدق والرضا وغيره ..
كما يجب أن نأمرها بتصفية الدواخل تجاه الناس جميعا , وترك المشاحنة , والسعي للتصالح , وإعطاء كل ذي حق حقه , ورد المظالم , والاعتذار عن الأخطاء .
ولنختبر قلوبنا في هذه الايام , فنحيا شهرنا المبارك بقلوب تائبة منيبة , قاصدين رضوانه سبحانه وغفرانه وعفوه ...