ماايسر هذا الدين العظيم , وماأكثر فضائله , وماأحسن شرائعه , وماأسهل من تحقيق الثواب فيه للصادقين المخلصين .
إنه دين المرحمة , جاء به رسول المرحمة صلى الله عليه وسلم , من لدن رب رحيم لطيف بعباده , بر كريم , منان يمن على عباده بالفضل والكرم , وهو سبحانه الشكور هو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء , ويعطي الأجر الكثير على العمل القليل .
إن العبادة في الإسلام تجارة رابحة مع الله سبحانه , تنجي من العذاب الشديد في الآخرة , وتقيل من عثرات الدنيا , وتهون كروب الحياة , فتنصر المؤمنين في الدنيا والآخرة , وتجعل الفلاح قرينهم وخليلهم دوما .
ففي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " اتقوا النار ولو بشق تمرة " , منبها أن العمل الصالح مهما كان قليلا فإن له تأثير , وأن المطلوب من المؤمن أن يكون مبادرا , ولو بالقليل , وفي صحيح مسلم :" لا تحقرن من المعروف شيئا " , فإن الله سبحانه يجزل الثواب على المعروف , ويغفر به الذنب , ويستر به العيب , ويقيل به من العثرات , وينجي به من المهلكات .
فبالنية الصالحة قد يستوي الغني والفقير , كرجل نوى أن لو رزقه الله مالا أن يتصدق به أو أن يفعل به صالحا , قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه , أنه والغني " هما في الأجر سواء " أخرجه ابن ماجه , فهذا لم يفعل سوى أنه نوى الخير وعزم على فعله , فآتاه الله المنزلة , ورزقه بالثواب .
وبالنية الصالحة يستوي المعذور والمعافى ,يقول صلى الله عليه وسلم :" إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم , شركوكم في الأجر , حبسهم العذر" أخرجه البخاري , فهؤلاء اشتركوا في الأجر مع المجاهدين في كل خطوة من خطواتهم , وكل مسير يقطعوه , وكل صالح يفعلوه , لأنهم أحسنوا النية لكن منعهم العذر.
بل إن المرء قد يعمل قليلا , لكن بجدية وإيجابية , وإخلاص وصدق , فيثدر الله سبحانه له مقاما كمقام السابقين , ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن رجل اسلم ثم استشهد : " عمل قليلا وأجر كثيرا " رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة ألا وهما يسير ومن يعمل بهما قليل يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا ويحمده عشرا ويكبره عشرا قال فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده قال فتلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمس مائة في الميزان وإذا أخذت مضجعك تسبحه وتكبره وتحمده مائة فتلك مائة باللسان وألف في الميزان فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمس مائة سيئة قالوا فكيف لا يحصيها قال يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته فيقول اذكر كذا اذكر كذا حتى ينفتل فلعله لا يفعل ويأتيه وهو في مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام " أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي, وصححه الألباني.
بل إنه صلى الله عليه وسلم يعلم أهله أن يكتسبوا الصالحات , وييسر لهم السبل في ذلك , فقد خرج بعد أن صلى الفجر وقعد وقام ليدخل بيته فوجد جويرية رضي الله عنها من بعد الفجر جالسة كما هي، سألها: " ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟" قالت: نعم، قال: " لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم " طيلة الوقت هذا الماضي " لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته " رواه مسلم
إنها نعمة بالغة من الله سبحانه الرحيم لعباده المؤمنين الصادقين , فليصلحوا قلوبهم وليستحضروا صالح نواياهم وعندئذ تتضاعف قيمة الأعمال ويصبح العمل الصغير في أعين البعض عظيما عند الله .
يقول ابن المبارك : " رُبَّ عمل صغير تُعظِّمه النيّة، ورُبَّ عمل كبير تُصغِّره النيّة" .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله له به كبائر"
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: « جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ الله قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ»أخرجه مسلم
وعن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ رَجُلاً لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ؛ فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ؛ لَعَلَّ الله يَتَجَاوَزُ عَنَّا، فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لا، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ لِي غُلامٌ وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ يَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ؛ لَعَلَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَتَجَاوَزُ عَنَّا. قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ»أخرجه النسائي
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ؛ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي. فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ الله لَهُ فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا يَا رَسُولَ الله: وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ»متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم : "من قرأ قلْ هوَ اللهُ أحدٌ حتى يختمها عشرَ مرات، بنَى الله له قصرًا في الجنة". فقال عمر بنُ الخطاب: إذًا أستكثرُ يا رسولَ الله. فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكثرُ وأطيب" أخرجه أحمد
وعن عبادة بن الصامت مرفوعًا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما على الأرضِ مسلمٌ يَدعو الله بدعوةٍ إلا آتاهُ الله إيّاها، أو صَرفَ عنه من السوءِ مثلَها، ما لم يَدْعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رَحِم". فقال رجل: إذًا نُكثر. قال: "الله أكثر" أخرجه الترمذي
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ»