المرأة السورية وفشل الحركة النسوية
15 جمادى الأول 1437
الهيثم زعفان

منذ أن قامت ثورات الربيع العربي وقد أفل تدريجياً نجم الحركات النسوية التغريبية في المنطقة العربية بصورة ملفتة إثر تواري مصطلح السيدة الأولى عن الأنظار.

 

 

وقد توالى إخفاق تلك الحركات النسوية في ظل تداعيات الثورات من الصدامات العسكرية التي خلفت الآلاف من اللاجئات والمشردات بين الأمصار. فضلاً عن آلاف الحالات النسائية المنكوبة ما بين قتل أو إصابة أو سجن أو تعذيب أو غيرها من الكربات المحزنة؛ والتي تتطابق مفرداتها مع الاصطلاحات التي كانت تتشدق بها الحركة النسوية في الماضي القريب من قبيل "التمييز ضد المرأة"؛ و"العنف ضد المرأة"، و"حقوق المرأة" وغيرها من الاصطلاحات البراقة التي صدعتنا بها رموز الحركة النسوية لعقود طويلة.

 

 

ولكن! وعلى نحو مفاجئ خرصت ألسنة تلك الحركات النسوية حيال المظالم الراهنة، وجفت أقلامها التي كانت تسطر بها آلاف التقارير ومئات صفحات الجرائد إذا ضبطت حادثة ختان هنا؛ أو منعت رواية انحلالية هناك.

 

 

إن الدارس لفقه الأولويات في الشريعة الإسلامية، وحتى ترتيب الأولويات في الدراسات التخطيطية يدرك جيداً أن حفظ النفس مقدم على رفاهيتها؛ ومن ثم فمن غير المبرر مثلاً أن تنظم الحركة النسوية التغريبية مؤتمراً عن التمكين السياسي للمرأة، وقرينات هؤلاء النسوة حالهن ما بين قتل أو تعذيب أو اغتصاب أو سجن أو تشريد.

 

 

 ألا يشمل هؤلاء النسوة المكروبات اصطلاح (العنف ضد المرأة) والذي يعد أحد أهم المصطلحات توظيفاً داخل أدبيات وفعاليات الحركة النسوية التغريبية؛ وحوله عقدت مئات المؤتمرات وورش العمل في فنادق الخمس نجوم وفي العواصم الكبرى حول العالم؛ وكان توصيف العنف وقتها مقتصراً على حالات فردية يضرب فيها الزوج زوجته، أو الأب ابنته، فتضخم الحالات ويتم نقلها من الفردية إلى كونها ظاهرة سلبية في العالم الإسلامي في ضوئها تتصاعد المطالب بالتلاعب في المناهج الدراسية بل وتفسيرات علماء الشريعة الإسلامية وتم التجاوز في أحيان كثيرة لتصل للمطالبة بإعادة قراءة النصوص الشرعية وفق أطروحات وفهم الحركات النسوية التغريبية.

 

 

ومر الزمان وتغيرت الأحوال وصار "للعنف ضد المرأة" معناً آخر؛  فجميعنا يرى ما يفعله السفاح بشار في سوريا على مدار السنوات  الماضية فهل انتفضت الحركة النسوية التغريبية في وجه بشار دفاعاً عن المرأة السورية؟.

 

 

 تلك المرأة المكروبة والتي نكل بها وتم سجنها وتعذيبها وهدم بيتها وإخراجها من ملاذها الآمن إلى خيام اللاجئين في العراء حيث الجليد والتجمد في الشتاء؛ والعواصف والرمضاء في الصيف. أو هرباً في عرض البحر تتقاذفها الأمواج والأحزان لتفقد نفسها أو فلذة كبدها أو رفيق دربها قبل أن تصل إلى دار المهانة والمذلة حيث بلاد تنظر إليها نظرة اشتهاء واستعلاء واسترقاق.

 

 

وفي ظل هذه المأساة دعونا نتوجه للحركة النسوية التغريبية في العالم العربي أولاً وفي الغرب ثانية بجملة من التساؤلات الواقعية:

 

 

• لماذا لم نسمع عن إدانات وتحركات إغاثية وسياسية للمجالس القومية للمرأة العربية أو منظمات المرأة العربية لنصرة قضايا المرأة السورية المكروبة؟.

 

 

• ألم ترفل الحركة النسوية التغريبية لعقود طويلة من دولارات التمويل الغربي كي تشق الصف المسلم وتسعى لتغريب المرأة المسلمة بقضايا فرعية وشكلية؛ وأخرى تصطدم صراحة مع الإسلام؟. أين تلك الدولارات النسوية الآن؟!؛ أليس من اللائق أن تشترى بها بطانية تستر الأم السورية المشردة وأبنائها من العراء والتجمد؟! أم أن الدولار النسوي مشروط بالطعن في ظهر المرأة المسلمة فقط؟!!!.

 

 

• أين الجمعيات النسوية التغريبية داخل سوريا والتي تجملت لعقود، وتظاهرت بالدفاع عن المرأة السورية لسنوات، لماذا لم نسمع لها كلمة إدانة واحدة ضد ذلك السفاح؛  ولو من قبيل النصح؟.

 

 

• هل تجرؤ الحركة النسوية التغريبية في العالم العربي على تقديم طلب بجلسة غير عادية بالأمم المتحدة تدافع فيها عن محنة المرأة السورية، وما يمكن أن تقدمه حقيقة لا تجملاً للمرأة السورية؟.

 

 

• هل جددت الحركة النسوية التغريبية أدبياتها الفكرية والأرشيفية لتوثق بها جرائم المجرم بشار ضد المرأة السورية؟.

 

 

• هل تجرؤ المؤسسات الحقوقية النسوية التغريبية على تبني قضايا جرائم حرب لصالح النساء السوريات ضد المجرم بشار أمام المحاكم الجنائية الدولية؟.

 

 

• هل تجرؤ الحركة النسوية التغريبية في العالم العربي على تنظيم قوافل إغاثية حقيقية للنساء السوريات؛ وتحدث لها حالة من التعبئة العامة داخل المجتمعات العربية شبيهة بالتعبئة الشعبية التي كانت مصاحبة لحملات "ختان الإناث!!"؟.

 

 

• أين المكاتب النسوية التغريبية الدولية مما يحدث في سوريا وأمامها بشار والحرس الثوري الإيراني وحزب الله يقتلون كل يوم من النساء والأطفال العزل أضعاف ما يقتلون من المقاتلين؟.

 

 

• دعونا نتساءل أيضاً وبتعجب شديد: لماذا تنتفض المؤسسات النسوية الدولية لحادثة فردية عندما تكون الضحية غربية؛ ولا يتحرك لها جفن عندما يكون الضحايا مئات بل آلاف المسلمات العفيفات؟.

 

 

إنني على يقين أن قضايا المرأة السورية الراهنة ليست على سلم أولويات المؤسسات الإنسانية الدولية؛ والشواهد كثيرة: فعلى سبيل المثال؛ هل تذكرون فضيحة الممرضات البلغاريات الخمس اللاتي حقن 426 طفلاً ليبيا حقناً عمداً بالإيدز- مات منهم فور الحقن قرابة المائة طفل-؛ وعندما صدر بحق المجرمات الغربيات حكم ليبي بالإعدام انتفضت كافة المنظمات الدولية وأخذت بالضغط على ليبيا كي تفرج عن هؤلاء النسوة المجرمات وأعرب حينها "بان كي مون" أمين عام الأمم المتحدة وفي تحد سافر عن قلقه بخصوص حكم الإعدام الصادر في ليبيا بحق خمس مجرمات بلغاريات؛ وبمجرد صدور حكم الإعدام على المجرمات البلغاريات، سارع الاتحاد الأوروبي إلى الإعراب عن خيبة أمله إزاء الحكم، واعتبر الناطق باسم الاتحاد الأوروبي "ديجو دى اويدا" أن هذا الحكم شكل "مفاجأة غير سارة" "وسلبية جداً" للأوروبيين.

 

 

وبعث وزير الخارجية الأيرلندي "براين كاون" برسالة إلى نظيره الليبي "عبد الرحمن شلقم" أعرب فيها عن "عميق قلقه" اثر صدور هذا الحكم.  كما تكثفت الاتصالات والوساطات للإفراج عن المجرمين، وطالبت المفوضية الأوروبية من "القذافي" الإفراج عنهم. وامتثل "القذافي" للطلب الأوروبي والدولي، و"باع قضية أطفاله"، وفور الإفراج عن المجرمات أشاد الاتحاد الأوروبي بهذا الإفراج، حيث أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً من مقره في بروكسل حمل توقيعي "ساركوزي" ورئيس المفوضية الأوروبية "جوسيه مانويل باروسو" شكر فيه الاتحاد الأوروبي السلطات الليبية- لما وصفته بـ - "لفتتها الإنسانية" المتمثلة بإطلاق سراح المجرمات.

 

 

إنها الحكمة الربانية أن تسقط الأقنعة ويكون بادياً للعيان مدى كذب تلك الدعوات النسوية التغريبية التي كانت تدعي يوماً ما الدفاع عن المرأة المسلمة والعربية؛ وكانت تحظى برعاية رسمية منقطعة النظير؛ وبالحسابات السياسية فإن الحركات النسوية التغريبية قد خسرت كثيراً من نقاطها داخل المجتمعات الإسلامية، وظهر تناقضها في كافة المناطق الحرجة، وكشفت المرأة السورية للأمة الإسلامية حقيقة الحركة النسوية العربية وفشل مشروعها التغريبي؛ فهل يعي أهل التغريب الدرس؟!!.