كيف تترك بصمتك المؤثرة ؟!
14 ذو الحجه 1436
د. خالد رُوشه

خطى كثيرة تمر عبر الطريق , ما تلبث الريح أن تخفيها , وبصمات كثيرة على المواقف والأشياء , ما تلبث الايام أن تمحوها , لكن بصمة لأناس بذواتهم لا تمحى عبر الايام , تضىء الدروب , وتقود الركب .

 

وبالطبع فإن كثيرين يبتغون ألا تمحى بصماتهم , وأن يتركوا بصمة مؤثرة عبر الايام , غالب هؤلاء يغفل أو يتوه أو يكسل أو يضل الطريق , فتمر به الايام تلو الايام , فينظر لميراث الزمن الفائت , فتصيبه الحسرة والندامة ..

 

وحتى لا تصيبنا تلك الحسرة تعال بنا نلفت النظر الى عدة نقاط ..

 

فقد تكون ذكيا , أو صاحب قدرات كبيرة , لكن مجتمعك الذي يحيط بك لا يهتم بالأذكياء ولا بأصحاب القدرات المتميزة , فماذا تفعل عندئذ ؟ هل تتوه مع التائهين ؟ أم هل تنكسر وترضى بالدون من الإنجاز؟!

 

كلا , بل يجب عليك أن تقيم نفسك بنفسك , وتدفع ذاتك بذاتك , مستعينا بالله سبحانه , مستعيذا من الهم والكسل والعجز والركون والبخل , وتبدأ في صناعة هدفك وبناء إبداعك وفكرتك .

 

وقد تتعرض لمشكلة ما , فيصيبك الهم , فترى نفسك قد ركنت واستسلمت لآلامها , فزادت ساعات نومك , وخبأت رأسك رافضا القيام من سريرك , كارها لنور الصباح !

 

إن حل المشكلة ياصديقي لايمكن أن يكون بالهروب منها , بل إن أول الحلول هو مواجهة مشكلتك بكل صدق وشفافية , وأن تحدث نفسك بكل الصورة , وأن تبدأ بإيجابية في حل خيوطها والسعي نحوها مستعينا بالله سبحانه .

 

كذلك يجب أن تتذكر أن هناك بعدا ثالثا لكل مشكلة فلا تترك نفسك أسير الحلين المعروضين لها , إما يمنة وإما يسرة !

 

وقد تكون ممن يبدأ في الإنجازات ثم يسكن أو ينقطع مع أول معوق يواجهه , فتمر به الايام , ثم يحاول مرة أخرى فيسير قليلا , ثم ينقطع مرة ثانية وهكذا ثالثة ورابعة ...ويظل هكذا طوال حياته ..!

 

إن الحل الأمثل في ذلك أن يرغم نفسه على أن يختار من الإنجازات ماكان سهلا يسيرا في أول الأمر , ثم يتدرج معه كلما أنهاه , وأن يعود نفسه الاستمرارية , حتى لو قلت إنجازاته , لكنه مستمر في الإنجازات , وهي نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل " ابو داود

 

وقد تكون ممن يميل شقه , بحيث يحمل على نفسه في جانب من جوانب حياته على حساب جوانب أخرى , كمن فضل ابناءه وأهمل نفسه , أو كمن اهتم بزوجته وترك أمه ..أو كمن بالغ في عمله وأغفل العلم والتعلم ...وهكذا

 

فإن الآثار الإيجابية لايمكن أن تتولد إلا من شخصية متوازنة مستقيمة , فلئن داومت أن تكون جوانبك مائلة فلن تستطيع الإنجاز في اي شق منها , ولو أنجزت فيها ستستشعر التقصير المؤلم في الجوانب الأخرى ..

 

إن البصمة الناجحة هي التي تقوم على المبادىء الثابتة , التي لا تتبدل بتبدل المواقف والظروف , ولا تغيب مع مغيب المصلحة , بل تستصحب اليقين بالله و والتوكل عليه .

 

وحين يريد المرء أن يترك بصمته الثابتة على مبادئه , لابد أن يستوضح أهدافه , ويحسن صياغتها , ويراها رؤية واضحة , كي يستطيع السير إليها بلا تردد أو تكاسل .

 

إن صاحب البصمة يرتب أولوياته الحياتية ترتيبا صائبا , بحيث يضع جهده في مكانه الصائب , فلا يهدر وقتا ولا عملا , يقول الغزالي في الإحياء :" وربما يحرصون على إنفاق المال في الحج , فيحجونمرة بعد أخرى , وربما تركوا جيرانهم جياعا , وفرقة أخرى يشتغلون بالعبادات البدنية , كصيام النهار , وإنما حال هذا إطعام الجياع فهو أفضل له من تجويع نفسه "

 

وصاحب البصمة دائما لا يكتفي بتقليد غيره , بل هو لا يفعل ذلك اصلا , إنما هو مبدع متفنن , مبادر متجدد , معتمد على نتائج العلم وآثاره, غير منغلق في التفكير .

 

كما أنه ليس يربط نفسه ولا حياته ولا عمله بأشخاص ولا مجموعات , بل يصنع نجاحه بنفسه , ويدع الارتباط بالاشخاص مهما كانوا , فارا من الاسر النفسي وتكرار الخطأ .