للرحمن الرحيم منح على عبيده , لايدرك قدرها إلا الساعون قربا منه سبحانه وفي مرضاته , ومن منحه الكبرى يوم عرفة , الذي جمع مناحي الخير وأطرافه , فكان حقا يوم الخير كله ..
فهو يوم المغفرة , ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدأ من النار من يوم عرفة "
وكفى بتلك المغفرة جائزة ومنحة منه سبحانه , ليرتقي ذلك اليوم إلى أعلى عليين , فحق للمؤمنين فيه أن يرجو مغفرة ربهم , ومحو سيئآتهم , والقرب من جنة ربهم سبحانه .
و عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: " يكفر السنة الماضية والسنة القابلة " رواه مسلم
وتلك فضيلة أخرى , فهو مكفر ثابت لمعاصي وآثام السنة الماضية والآتية , إذا اجتنبت الكبائر , وللمؤمن أن يتوب فيه ايضا من الكبائر ويستغفر ربه لعلها هي الأخرى أن تمحى ويقبل الله توبته منها , فأي يوم أرجي من ذلك اليوم ؟!
تلكم الفضيلة لا تختص بالطبع بالحجيج الواقفين في عرفة , بل تتعداهم إلى جملع المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها , يقول الإمام النووي : " يوم عرفة هو يوم العتق من النار فيعتق الله من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدًا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة"
قال عبدالله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان فالتفت إلي، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له
ووقف الفضيل بعرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة قد حال البكاء بينه وبين الدعاء ، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال: واسوأتاه منك وإن عفوت !
ونظر الفضيل تسبيح الناس وبكاءهم عشية عرفة ، فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء ساروا إلى رجل فسألوا دانقا ـ يعني سدس درهم ـ أكان يردهم ؟ قالوا: لا قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق