تلقين الميت ... هل من معتبر ؟!
5 شعبان 1436
د. خالد رُوشه

[email protected]

قد يغتر أحدنا بصحته , أو بشبابه , أو بماله , أو بسلطانه , أو بجنده , أو بشىء آخر مما آتاه الله من نعمه , يغتر , فينسى , ويغتر فيغفل , أو يلهو , فتأخذه الايام والسنون , فيقضي الله عليه بلحظة النهاية , وعندها تكون الحسرة , ويشتد الندم !

 

والمرء في لحظاته الأخيرة  أحوج ما يكون لعون ودعم , فهو ضعيف أشد ما يكون الضعف , عديم الحيلة والقدرة , فبعد لحظات قليلات , سيترك الدنيا , ويفارقها , ولن يبقى معه سوى ثلاث " علم ينتفع به , أو لد صالح يدعو له , أو صدقة جارية " ..

 

وقد شرع لنا ديننا تلقين الموتى الراحلين كلمات الخير , وجعلها سنة مستحبة , فيها من الهدى ما فيها لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله‏ " ‏أخرجه مسلم , وقد أمر الشرع بالتلقين واستحبه , إذ حياة المؤمن قائمة على توحيد الله سبحانه , فيختم عمره موحدا معلنا بشهادة التوحيد , فيلقنه من حضره رجاء أن يختم له بكلمة التوحيد .

 

فالتلقين إعلان بالمحبة في الله , كون المحيطين بالمؤمن المقبل على الموت يحرصون على الخير له , وعلى أن تحسن خاتمته , فيحسن مثواه , فيكون من أصحاب الجنة .

 

وهو إشارة إلى التعاون على البر والتقوى , والائتمار بالمعروف , فالمؤمنون وحدة واحدة , وقلب واحد , وهم في خدمة وعون بعضهم بعضا عند حاجته , وعند عوزه , وعون له في مصابه وآلامه ففي الحديث " والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه " أخرجه مسلم .

 

والتلقين كذلك بيان واضح لتأكيد العهد مع الله سبحانه في آخر لحظات الحياة , أن العبد عبدك , و أنه مؤمن بك يارب , موحد بك , عاش على التوحيد , ويموت عليه , ميثاقا معقودا , وعهدا محفوظا .

 

والسنة في التلقين , أن يقال أمامه وهو يسمع كلمة الشهادة , عند الاحتضار لتكون هذه الكلمة العظيمة آخر كلامه من الدنيا حتى يلقى الله تعالى بها، ويختم له بها ، فيلقن هذه الكلمة وهو في الاحتضار برفق ولين .

 

فإذا قالها مرة واحدة سكت عنه من حوله ولم يكرروا  ذلك عليه ، إلا إذا تكلم بعد ذلك بكلام من أمور الدنيا فتعاد عليه مرة أخرى ليقولها.

 

ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب عند موته: " يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله " رواه البخاري ومسلم.

 

 وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من بني النجار يعوده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا خال قل: لا إله إلا الله " أخرجه أحمد

 

والأولى أن يلقنه الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) , وقد ذكر ابن حجر في الفتح أن المراد في الحديث كلمتا الشهادة , وقال ابن المنير : قول " لا إله إلا الله " لقب جرى على النطق بالشهادتين شرعا .

 

وهذا التلقين المستحب إنما هو قبل الوفاة , أما بعد الوفاة فإن التلقين في القبر وقبل الدفن لم يثبت بحديث صحيح , بل غاية دليله حديث ضعيف جدا لايستدل به أخرجه ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه , وضعفه النووي وابن الصلاح والهيثمي , والعراقي وابن القيم , وقال السيوطي , " التلقينَ لم يثبت فيه حديثٌ صحيحٌ ولا حسنٌ بل حديثهُ ضعيفٌ باتفاقِ المحدثين " , وقال الألباني في الضعيفة : " حديث منكر " (1)

 

وسئل العز بن عبد السلام : هل في تلقين الميت بعد مواراته ووقوف الملقن تجاه وجهه خبر أم أثر ، أم لا ؟ , فأجاب ، رحمه الله ، : " لم يصح في التلقين شيء ، وهو بدعة ، وقوله عليه السلام (( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله )) محمول على من دنا موته ويئس من حياته"  (2)

 

وأما السنة بعد الدفن فهي الدعاء للميت بالتثبيت , وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء عند القبر بعد أن يوارى الميت فيه بالثبات والأمر بذلك، فكان يقول: "اسألوا له الثبات فإنه الآن يسأل" وأخرجه ابو داود ، وأخرج مسلم في الصحيح أن عمرو بن العاص رضي الله عنه أوصى ولده إذا هو مات أن يقفوا عند قبره قدر ما تنحر جزور ويوزع لحمها، ولعله يقصد بذلك دعاءهم له في تلك اللحظات بالقدر الذي لا يشق عليهم.

 

إن لحظة الاحتضار لحظة تذكرة بالغة , وتلقين الموتى كلمة الشهادة موعظة عظيمة , ولنعلم جميعا أن المرء قد يحرم من قول الخير عند موته بما كان يعمله من معاص في حياته , وربما يكرر عند موته ماكان قد اعتاده من اللغو واللهو في حياته والعياذ بالله .

 

فلنعود ألسنتنا ذكر الله سبحانه , لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لايزال لسانك رطبا من ذكر الله " , ولنعودها كلمة التوحيد " خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله " .

 

-------------
(1) انظر تعليق الألباني على الحديث في السلسلة الضعيفة ( حديث رقم 500) , و عمرو عبد المنعم سليم في " صونِ الشرعِ الحنيفِ ببيانِ الموضوعِ والضعيفِ " (حديث رقم 373)
(2) الفتاوى الموصليّة للعز بن عبد السلام (ص 99 )