تربية الذئاب !
3 شعبان 1436
د. خالد رُوشه

[email protected]

 كثير من الآباء والأمهات , نتيجة ما يرونه حاصلا في المجتمعات من تراجع أخلاقي وسلوكي , يعمدون إلى تعليم ابنائهم صفات سلبية , يظنونها هي الطريقة المثلى لحماية أبنائهم من الفاسدين , فيعلمونهم القسوة , والجفوة , وسوء الظن , والحدة , والنفعية , والوحشية وغيرها من الصفات التي اسمحوا لي أن أطلق عليها " الصفات الذئبية "

 

أدرك بوضوح أن دوافع الوالدين في ذلك هو حماية الأبناء من توحش المجتمع , وحتى لايكونوا فريسة سهلة للفاسدين والمنحرفين فيه , وليستطيعوا أن يقفوا على أقدامهم في مجتمعات يطحن فيها الضعيف ويستهان به .. هكذا رؤيتهم وهكذا دوافعهم , وأنا أرفض تلك الرؤية , وأخطىء تلك النظرة تخطيئا .

 

إننا لو قبلنا ذلك النوع من التربية , سنكون داعين إلى سبب جديد لانتشار الانحراف المجتمعي , وزيادته , وقد يكون هذه المرة بشكل مقنن ! .. فقد أتوقع أن يدعو البعض إلى مؤسسة تعلم الأبناء كيفية التوحش والقسوة والجفوة والحدة وغيرها , وقد يتطور الأمر إلى أن نرى استنكارا مجتمعيا لأصحاب الأخلاق الحسنة والرقيقة والنقية والهادئة والمهذبة ..الخ !

 

أؤكد لكم أيها الآباء والأمهات أنكم بذلك تربون في بيوتكم ذئابا , لا ابناء , وأن هذا الذئب الذي تربيه ببيتك , عما قليل سيكبر , وستكون أنت أول من يعاني من ذئبيته !

 

كما أنه سيحمل بين جنبيه قلبا قاسبا يبعد به عن الصالحات , ويهون عليه آلام الناس , ويصير نفعيا بغيضا , وقد يكون أنانيا متكبرا مكروها , مهما بدا ناجحا على المستوى المادي الدنيوي .

 

في تربية الأبناء يجب ان نؤكد لهم على ما عندهم في نفوسهم من نقاوة الفطرة , وشفافية المشاعر , وحسن الأخلاق تجاه الناس , وبياض النفس , وتمنى الخير للغير ..

 

يجب أن نعلمهم الرفق , والصبر , والحلم , والأناة , والإيثار , والعطاء , والتيسير على الناس , وحسن الظن فيهم , والمسارعة إلى خدمتهم بلا مقابل ...وغيرها من أخلاق المروءة والفضيلة ..
هكذا علمنا ديننا , وهكذا علم الأنبياء جميعا , وهكذا طريقتهم " فبهداهم اقتده " ..

 

إن كنت تخاف من أهل الفساد والانحراف في المجتمع , فحذر أبناءك منهم تحذيرا جيدا , وعرفهم صفاتهم وعلاماتهم , وربهم تربية متكاملة , فقو شخصيتهم , وأحسن بناء رؤيتهم العقلية , وفهمهم كيف يرون الواقع من حولهم رؤية متوازنة .

 

علمهم كيف يجتنبون السوء وأهله , ويقتربون من الخير وأهله , علمهم الحكمة التي هي وضع الشىء موضعه , وربهم على الجدية والحزم في مواضع المسئولية .

 

علموهم ما ينير قلوبهم , من صفات الصلاح والتقوى , فهي خير حافظ في طريق الحياة , مهما بعدت بهم الدروب ..

 

علموهم ما ورد في هذا الحديث الشريف :

قال صلى الله عليه وسلم " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ، ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ، ما كان العبد في عون أخيه .." رواه مسلم