في أحيان كثيرة تدعو المرء حماسته لفعل ما يظنه خيرا أو ثوابا أو أنه من أفعال المروءة والرجولة , لكنه ما يلبث أن يندم بعد فعله ذاك , كونه قد وجد له آثارا سلبية مختلفة , فيأتيه الوقت الذي يتمنى أن لولم يكن قد قام به !
تحصل تلك المواقف عندما يقبل المرء على العمل دون أن يدرس عواقبه , أو أن يعرف قدراته وإمكاناته , فتكون عاقبة فعله الذي قد رآه صائبا , سيئة عليه !
الحكماء ينصحون بخطوات أساسية عند الإقدام على الأعمال غير المعتادة , خصوصا تلك التي لا يعرف المرء حقيقة مردودها .
فالخطوة الابتدائية هي دراسة ما سيقوم به المرء , مها كان من موقف صغير , فيعرف مردوده , من الإيجابية والسلبية , ويعرف ما يدعوه لفعله .
ثم يدرس إمكاناته , ومدى قدرته على التأثير فيه , لئلا يكون عمله مجرد وجود بلا طائل .
ثم يعرف المصالح المترتبة على فعله , وكذا المفاسد المتوقعة من عمله ذاك , ويعرض ذلك على ميزان الشرع مما تعلم .
ثم يسأل نفسه عن الخيارات المتاحة في ذلك الموقف , وأيها هو الأفضل ..
وهو في ذلك كله يشاور العلماء والخبراء , ويأخذ رؤيتهم , ويعرض عليهم رؤيته .
ثم يتروى ويهدأ نفسيا ويستخير ربه فيه .
فإن فعل ذلك , سيجد نفسه تلقائيا لا يتعجل ابدا في موقف مهما كان متحمسا له , ثم إنه سيجد نفسه يختار الأعمال الإيجابية كثيرة المصالح قليلة المفاسد , وسيهتدي برؤية العلماء إذ سينصحونه بما يصلح دينه ودنياه , وسيختار من خياراته الأقرب من قدراته وإمكاناته .
فيبعد نفسه عن الهوى والخلل والطيش , كما سيبعد نفسه عن الأعمال التي دافعها الحماس إلى الخير لكنها مرفوضة شرعا أو يترتب عليها ضرر أو أذى , أو يترتب عليها من المثالب ما يفوقها .
وسيخطو بفضل الله واستخارته , نحو خطواته ببركة وبصيرة .
وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم :" لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه ، قالوا : وكيف يذل نفسه ؟ قال : يتعرض من البلاء ما لا يطيق " أخرجه أحمد والترمذي .
والحديث واضح الدلالة على أهمية أن يحمي المؤمنِ نفْسَه مِن كلِّ ما يكون سبباً لوقوعه في الأذى أو المهانة أوالمذلة أوالعجز .
فليقم المؤمن بما يستطيعه من الخير بغير أن يعرض نفسه للضرر الذي لا يطيقه هو ولا من يعول . ..
وليقدم على فعل الخير الذي يقدره , ولايحمل نفسه ما لا يقدر , أو مالا يمكنه معه الوفاء والأداء . ..
وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حسب قدرته واستطاعته ويحذر ان يترتب عليه منكر مثله او اشد .
وليقنع بما آتاه الله من دنياه ولا يذل نفسه بالتزلف للناس ولا بالطاطأة لهم بحثا عن المنزلة ..
وليضع نفسه في مقامه حيث يعلم و يحسن , ولايضع نفسه حيث يجهل ويخطىء .