لماذا نقمع أبناءنا ونسحق شخصياتهم ؟!
29 شوال 1435
د. خالد رُوشه

تقديرنا لذواتنا عادة يتكون من مجموع الصور التي مرت بنا عبر المواقف المختلفة , ومستوى تاثرنا بها , ودرجة تأثيرنا فيها , وما خلفته تلك الصور والمواقف من أحاسيس داخلية عندنا وانطباعات لدى الآخرين . فإن كانت تلك الصور والمواقف إيجابية ناجحة , وكان دورنا ناجحا أو مؤثرا , فإن ذلك يخلف في جنباتنا صورة إيجابية لذواتنا ويشجعنا على تكملة مواقفنا الحياتية بمستوى من الإيجابية مقبول , بل ويدفعنا نحو فاعلية وتاثير وثقة .

 

على الجانب الآخر إذا كانت تلك المواقف سلبية , وكان دورنا فيها متراجعا , وتعرضنا فيه لنوع من خجل أو تسفيه أو فشل أو خلافه , فإنه يترك آثارا سلبية تتراكم وتتراكم وتؤدي إلى نفسية مترددة و متراجعة وفاقدة للثقة .

 

هذا بالضبط هو صورة ما يحدث لابنائنا الذين تتكون صور ذواتهم في عقولهم الباطنة وفي مخيلتهم , فصاحب الانطباع السلبي عن ذاته ونفسه هو المتراجع ضعيف الثقة قليل التفاعل , والآخر هو الفعال المؤثر . إن تراكمات كلمات التقريع والانتقاص والاتهام بالفشل والغباء والضعف لتكون بيئة شديدة السلبية من حول الطفل , كما أن كلمات التشجيع والثقة والقوة والعطاء والقدرة والذكاء والإمكانية يمكنها أن تنشىء بيئة صحية إيجابية تحيط بنفسية الطفل .

 

الأفراد المحيطون بأبنائنا منذ الصغر هم من أهم مفردات هذه البيئة التي نتحدث عنها , وهم أكثر تلك المفردات تأثيرا فيهم , فالتعامل بالثقة والتشجيع والمحبة مع الحزم والتعليم والتدريب ينتج نتاجا إيجابيا لتلك الشخصية التي نربيها , كما أن الضرب والتكذيب والتخوين والتهميش والسخرية يؤثر بالعكس . لذلك كان لزاما علينا تتبع الاساليب العلمية التربوية في بناء شخصيات ابنائنا , وألا نترك الظروف أو المواقف أو المشاعر أو ردود الأفعال تكون البيئة التي يتربون فيها , فيخرجون ضعفاء النفوس فاقدي الثقة في أنفسهم .

 

إن علينا كمربين أن نشجع ابناءنا على بناء شخصيتهم الذاتية لا أن نسحقها , فكثير من المربين يسحق شخصية المتربي رجاء أن يبني في داخله الشخصية التي يريدها منه , وفي غالب الأحيان فإنه يفشل في تكوين شخصية أخرى , لأنه يكون قد تسبب في مرض مزمن للمتربي هو مرض فقدان الثقة , والانزواء , والانطواء و وسوء الظن في غيره , وغير ذلك من النتائج السيئة . قمع شخصية الأبناء وسحقها لايكون فقط عن طريق الضرب والتهديد بالأذى , لكنه يكون بطرق أخرى كثيرة قد نغفل عنها مثل إرغام الأبناء على عدم الاختيار , وتوكيل غيرهم ليختار لهم كل شىء , وتسفيه رأيهم , وعدم إشراكهم في المناقشات , وعدم تقديرهم عند الإنجاز مع كثرة النقد واللوم وغير ذلك .

 

كذلك فهناك قاتل بطىء يستخدمه بعض المربين ليقتل كل كفاءة ونبوغ في متربيه سواء أتعمد ذلك أو لم يتعمده , ذلك القاتل للشخصية هو الإهمال , الإهمال الذي يتسبب في أمراض لا تحصى للأبناء منذ صغرهم قد تبدأ بالصراخ والعصبية عند كل موقف , وبالتبول اللاإرادي ومثاله , وتنتهي بسلوك الإجرام والانحراف !

 

 

إننا قليلا ما نستمع لشكوى أبنائنا وطلابنا , بل نكتفي بتقديرنا الشخصي لمتطلباتهم ورغباتهم , وربما نفاجأ ونستغرب كثيرا عندما نفتح لهم الباب للتعبير عن مكنونات صدورهم , بل ربما نصدم في بعض الأحيان إذا تركنا لهم فرصة لتفريغ وجداني آمن يتحدثون خلاله عما يجيش في صدورهم تجاه المواقف والأشياء , بل تجاهنا نحن شخصيا , فقد نجد طوفانا من الغضب محبوسا بداخلهم , وأمواجا من عدم الرضا بالمواقف والحوادث والاشياء من حولهم , ودفعات متتاليات من النقد لكثيرين ممن يحيطونهم , والأغرب في ذلك كله أنك قد تجد - بنظرة عادلة لحديثهم - أنهم على صواب في أحيان كثيرة ! كذلك فنحن كثيرا ما نطلب من ابنائنا أن يكونوا كالصورة التي رسمناها لهم بدقة , ونعتبر أن أي خلل في الطريق للوصول لهذه الصورة هو خلل في تربيتنا لهم , وهذا غير صحيح بالمرة بل إنه نوع خفي من القمع وسحق الشخصية .

 

فإن واجبنا هو بيان الطريق الصائب وتعليم الأبناء كيفية السير فيه مع تبيين الصواب والخطأ لهم , وبناء القيم الإيمانية والتطبيقية العليا , وتكوين نموذج القدورة , ثم علينا أن نترك لشخصياتهم حرية التصرف لتطبيق ما تعلموه في إطار الصواب تحت ظل متابعة منا وتقويم ذكي وبناء , ونترك لهم حرية تكوين شخصياتهم الايجابية وتميزها بميزات مختلفة , لا أن نرغمهم على طرائق السلوك وأنواع الاختيار وأساليب التصرف ودقائق الحياة , فكل منهم له ميزاته وله قدراته الخاصة به , وله ميوله النفسي في إطار الصواب ايضا وله اسلوب تفكيره تجاه الأشياء والمواقف والحياة من حوله ..

 

إذا أردت تغيير طريقتك السلبية تجاه ابنك الآن , فابدأ فورا بتغيير قناعتك بعد قراءة تلك السطور , ثم ابدا بتغيير مفرداتك اللغوية السلبية تجاهه , وابدلها بكلمات إيجابية , وافتح قلبك لقبول ابنك كما هو بأخطائه – مع السعي الحكيم لإصلاحها – , وسقطاته – مع السعي الدؤوب لتقويمها , وعليك أن تمنحه وقتا كافيا للتعبير عن نفسه معك , ووقتا كافيا للاهتمام به , وأشعره أنك تمنحه ثقتك في مواقف مختلفة , وأنه قادر على النجاح , وأنه أهل لتلك الثقة .