الرجولة اسم يجمع صفات الفضيلة من أطرافها ويشير إلى مكارم الأخلاق والفعال , وقد ورد لفظ الرجولة في القرآن كثيرا وكلما ورد أشار إلى مكرمة تلو الأخرى .
فتارة يدل على وفاء العهود : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " , وتارة يدل على النقاء والطهارة : " فيه رجال يحبون أن يتطهروا " , وتارة يدل على الشجاعة ونصرة المظلوم ومساندة الحق " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ".. وهكذا
وأخلاق الرجولة لا شك أنها مطلوبة في كل عصر , ولا شك أنها ميزان يصح أن نقيس على اعتباره مدى صحة أخلاق الأمم , وآثرنا في هذه المقالة المختصرة أن نختار أهم ما يمكن أن يوصف بأنه أخلاق الرجولة وهي الأخلاق التي اشار إليها كثير من أهل العلم وهي أخلاق أربعة مرتبطة ببعضها بحيث أنها إن اكتملت حازت معاني المطلوب , وهي : " هي العلم , والشجاعة , والعفة , والعدل "
وهو مربع للأخلاق الكريمة التي يجب أن يتصف بها رجالنا وابناؤنا جميعا , بل مجتمعاتنا جميعها بكل ما فيها .
فقوة العلم وفهمه بها تتكون البصيرة , ويدرك بها المرء الصواب من الخطأ , بل يدرك بها خير الخيرين , ويدرك بها أخف الضررين , ويفهم بها حاجات الواقع , ورؤى الشريعة منها , ويفهم أيضا ويفقه حكم الأفعال , بل إن قوة العلم تنشئ الحكمة في قلب صاحبها , كما تنشئ وسطية السلوك والفكر وتميز القرار , والعلم المراد ههنا هو علم الكتاب والسنة , وما أمرا به من علم ما يصلح معه الحياة , وهو العلم التطبيقي العملي الذي لا يقتصر على مجرد الحفظ والترديد , وهو علم البناء لا الهدم , وعلم الرقي والسمو والإصلاح .
وأما الشجاعة فهي الصفة المتفق على مديحها بين جميع أبناء بني البشر , والشجاعة هي الإقدام بغير مهابة لإنجاز الفضائل , ودعم المظلوم , وهي أيضا القدرة على كبح جماح الغضب , والقدرة على السيطرة على الحماس الفارغ , وفي الحديث " ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب " , والشجاعة ليست تهورا ولا إقحاما بالنفس في المهلكة , لكنه يضبطها ضابط العلم والفهم
وأما العفة فهي تهذيب للرغبات البشرية وتأديب للشهوات الإنسانية , وكسوة من الحياء على السلوك الغريزي من حب المال والنساء والجاه وغيره .
والعفة خلق يدعو إلى اجتناب الرذائل من الذات والغير , كما تدعو إلى نبذ القبائح من الفحشاء والمنكر ومساوئ الأخلاق والفعال , كما تدعو إلى الصبر والعزة النفسية التي لا تنكسر امام رغبة ذاتية , كما عبر عنها القرآن الكريم في موقف العفة العلو السامي للنبي يوسف عليه السلام : " وإلا تصرف عني كيدهم أصب إليهن وأكن من الجاهلين " فجعل الصبو إلى ما هو دون العفة جهل وسقوط في هاوية سلبية ساحقة .
وأما العدل فهو الميزان الأكبر للحقوق بين البشر ولئن ذهب العدل من اخلاق الناس انقلبت حياة الناس غابة موحشة , يسيطر فيها ذووا الأنياب والمخالب وتضيع حقوق كل ضعيف , وتتغير كل يوم مقاييس الفضائل , وتكسى برؤية أصحاب السطوة .
فالعدل قوة في النفس وقوة في المجتمع , تدعو إلى إعطاء حقوق الضعفاء , والحق في وزن مواقف الاعتداء والصدق في بيان الحقوق والبحث عن حقائق الحوادث , وبالتالي اتخاذ الأحكام المرضية إذ يرضى عنها الله سبحانه ويرضى عنها العادلون من البشر .
وهو أيضا مساواة بين الناس بحكمة بالغة بل إن العدل يفوق المساواة ويتعداها فالعدل ليس فقط يساوي بين البشر في معان الحقوق , ولكنه يتعدى ذلك إلى فهم طبائع البشر وصفاتهم وما ينبغي أن يكون من حقوقهم , فلربما أعطى من الحقوق متفاوتا للمتساوين لأن ذلك أولى وأفضل في العدالة , وهو ما أشار إليه الشرع الحنيف في أكثر من حق كقوامة الرجل على المرأة بما ميزه الله عليها ولو أعطى المرأة القوامة لحملها مالا تطيق , وهكذا في كثير من الأمثلة ..
إذاً فالصفات الأربع هذه تجمع خلالا كثيرة لما هو مطلوب قديما وحديثا من صفات تُقوم المجتمعات وتصلحها , وتنشر معان التحضر الحقيقي المطلوب لتطور الأمم إلى الأفضل في ظل إرضائها لربها واتباعها لشرعة نبيها صلى الله عليه وسلم .
وما أحوج أمه الإسلام أن يتبنى رجالها تلك الصفات , وما أحوجنا جميعا أن نربي أبناءنا على العلم والشجاعة والعفة والعدل , فنطمئن عليهم مهما كانوا متغتربين , ونطمئن على أمتنا في مسيرتها , كما نأمن عليها في صراعاتها مع الخصوم , فإن من أخلاق الرجولة التي ذكرناها ما يدعو إلى العدل حتى مع الخصوم ومع الأعداء .