بين موازين الحقّ وإرادة الإصلاح .!
3 ربيع الأول 1434
د. عبد المجيد البيانوني

الغفلة عن موازين الحقّ والعقل وغيبة إرادة الإصلاح سبب كلّ المشكلات :

تأمّلت حال أكثر الناس فيما يشتكون في علاقاتهم من مشكلات وخلافات ، حتّى بين أهل الدين والالتزام ، فوجدت أنّ تصعّد المشكلات وتأزّمها سببه الأكبر الغفلة عن تفعيل مُعادل الإيمان بحقيقته ومقتضاه ، ومَنطق العقل بحكمته ورشده ..

وبين الإيمان والعقل حبل متين ، واتّصال وثيق ، كما هو بين الإيمان والفطرة .. وأحدهما أو كلاهما يضع الأمور في نصابها الموزون ، ويعطيها حجمها الصحيح ، ولا شكّ في رجحان تأثير الأوّل على الثاني .. فمن لم يكن على دين يردعه ، فليكن على عقل يرشده ويمنعه ..

فعندما ينظر إلى أيّة مشكلة بمنظار الإيمان بمفهومه الشامل الكامل ، وتوزن بميزان الشرع أو العقل ، بعيداً عن الهيجان العاطفيّ ، الذي تهدر به أحكام الشرع وآدابه ، ويعطّل به منطق العقل وحكمته فلا بدّ أن يعتدل موقف الإنسان ويتغيّر ، وأن يكون عليه من نفسه بصيرة ناقدة ، تكبح جماح نفسه عن الغلوّ في تنزيه مواقفه والاعتداد بها إلى درجة المئة .. واتّهام الآخرين إلى درجة ما تحت الصفر ..
فإذا أضيف إلى ذلك بُعدُ الاحتساب لله تعالى ، وما يمليه على الإنسان من السموّ الإيمانيّ والأخلاقيّ نزل مستوى المشكلة في تقويم الإنسان واستعداده النفسيّ إلى الحدّ الذي يخفّف من غلوائه ، ويجعل حلّها في متناول يديه ، وينأى بها عن التصعيد ، الذي يجعلها تستعصي على حكمة الحكماء ، وحلول المُحكَّمين ..

وهذا ما يزرع في نفس الطرفين في أيّة مشكلة إرادة الإصلاح والاستعداد النفسيّ للتنازل عن كثير من المطالب ، أو التعنّت في المواقف ..
ولكنّ الواقع يقول : إنّ أكثر الناس غير مؤهّلين علميّاً ، ولا نفسيّاً وتربويّاً للوقوف هذا الموقف .. فكان لا بدّ لهم من الرجوع إلى من يثقون بدينه وعلمه وحكمته ، كما يرجع المريض إلى الطبيب لكشف علّته ، وتقديم العلاج الناجع له .. ومن هنا جاء الحلّ القرآنيّ : « .. فابعثوا حكماً مِنْ أهله وحكماً مِنْ أهلها .. »

ثمّ جاء قولُ الله تعالى : « إن يُريدا إصلاحاً يوفّق الله بينهما » .. وهذه الإرادة تشمل الحكمين ، كما تشمل المُتنازِعَين المُختلِفَين ..

وإخفاق الحكمين في مهمّة الإصلاح سببه في أكثر الأحوال أنّ أحد الطرفين لا يريد الإصلاح ، أو هو يائس منه ، ومصرّ على الفراق .. أو أنّ الحكمين لم يزرعا إرادة الإصلاح في نفوس المختلفين ، ولم ينتزعا منهما الرغبة فيها ، والحرص عليها ، وما يتطلّبه ذلك ممّا أسلفنا من القول ، ومن التهيئة النفسيّة ، التي تُفعّلُ مَوازينَ الحقّ والإيمان ، وترجّح منطق العقل والحكمة ..

إضاءة : غفلتك عن ربّك وتعطيلك لعقلك وحكمتك يضاعف مشكلاتك ، ويجعلك تهرب من مشكلة إلى ما هو أكبر منها ..