الثورة السوريّة تتحدّى .!
20 صفر 1434
د. عبد المجيد البيانوني

لم يكن أحد من السوريّين الثائرين على هذا النظام ، من شباب ، وسياسيّين ، وعسكريّين ، ومفكّرين يتصوّرون بوضوح مدى التصاق رأس هذا النظام المجرم ، القابع في دمشق بالنظام العالميّ ، وكان قصارى الظنّ به أنّه عميل من جملة العملاء ، وأجير من الأجراء ، عندما ينتهي دوره يتخلّى عنه أسياده أسوة بغيره ، ويلقون به إلى مزبلة التاريخ ..
ولكنّ الواقع أثبت أنّه جزء من النظام العالميّ لا يتجزّأ ، وركن منه ركين .. فهو بلا شكّ سيستميت في دعمه وتأييده ، وخذلان الثائرين عليه إلى أبعد مدى ..
ومن هنا فإنّ انتصار الثورة السوريّة سيخلخل النظام العالميّ كلّه ، ويحدث زلزلة كبرى في مخطّطاته ، تجعله يعيد النظر في استراتيجيّته وأساليب عمله ..
ويوماً بعد يوم تتّضح لنا الصورة أكثر : إرادة عالميّة مجمعة ومصرّة على ألاّ تنتصر هذه الثورة .. تتنوّع أساليبهم ، وتتوزّع الأدوار بينهم ، وتختلف مواقفهم في ظاهر الأمر وتصريحاتهم .. ولكنّها تتّفق كلّها على هدف واحد ، تخطّط له تلك الإرادة العالميّة ، في أوكارها القذرة ، وبكلّ مكر ودهاء ، وتعمل له بكلّ قوّة سرّاً وجهراً ، علينا ومع عدوّنا .. هو ألاّ تنتصر هذه الثورة ، وألاّ يسقط هذا المجرم ونظامه .. لأنّه بكلّ وضوح جزء من نظامهم الخبيث ، وأداة من أدواته ، بل وركن من أركانه .. وإنّ مَثَل هذا النظام منهم كمثل آلة القتل في يد القاتل .. فهل تحاسب آلة القتل أم يد القاتل .؟
الرؤية الصحيحة لمحطّات الطرح السياسيّ ، بعيداً عن الغبش والتشويش : فمنذ أن قامت الثورة السوريّة وإلى يومنا هذا وقف الغرب منها مواقف متذبذبةً ، من خلال تصريحاته الداعمة بالكلام للثورة ، إلى التشكيك بنجاحها ، والتخوّف من عواقبها ، إلى التعلّل بتفرّق المعارضة ، وعدم اجتماع كلمتها ، لتبرير عدم دعمها ، إلى الدعوة السخيفة للطاغية أن يتنحّى ، وهم يعلمون أنّه يعضّ على كرسيّه أكثر ممّا يعضّ الكلب العقور على فريسته ..
ثمّ ظهر المجلس الوطنيّ ممثّلاً للمعارضة ، فلم يلق له الغرب بالاً ، بحجّة أنّه لا يجمع المعارضة كلّها .. واشتدّ عود الثورة على الأرض ، وقطع الثوّار الشوك بأيديهم ، وتطلّعوا إلى شيء من الدعم الخارجيّ ، يتناسب مع التصريحات الخلّبيّة التي يسمعونها ، فلم يرجعوا من ذلك بطائل .. وبالغ النظام في إجرامه الممنهج ، تحت سمع العالم وبصره ، فلم يسمع إلاّ أقلّ القليل من النكير ..
وقامت سوق المبادرات عربيّة ودوليّة ، واحدة بعد أخرى ، ولم تكن كلّها إلاّ ذرّاً للرماد في العيون ، وبالونات اختبار لإرادة الشعب : هل يقبل المساومة على ثورته بشيء من أنصاف الحلول .؟ وهل ملّ البذل والتضحيات .؟ وهل ندم على ما أقدم عليه .؟
وتوجّه سيل الاتّهامات إلى المجلس الوطنيّ بالحقّ وبالباطل ، والقصد الأوّل والآخر ليّ الذراع ، وكسر سقف المطالب ، واتّضحت مواقف المجلس الوطنيّ أنّها لن تتخلّى عن مطالب الشعب ، فأعلن الغرب بكلّ صفاقة عن رفضه لهذا المجلس ، والسعي إلى العمل مع بديل عنه ..
وظهر « الائتلاف » بين عشيّة وضحاها ، وسلّطت عليه أضواء الإعلام ، وأحيط بالوعود والأحلام ، وتزامن مع ظهوره حديث الغرب عن « جبهة النصرة » ، وتصنيفها مع المنظّمات الإرهابيّة ، وكان أوّل اختبار للائتلاف ، لاستجراره للدخول في خصومة مع الثائرين على الأرض .. ونجح الائتلاف وسقط الغرب .. كما أعلن الثوّار بكل أطيافهم واتّجاهاتهم ، والمنظّمات المؤيّدة للثورة وقوفهم مع « جبهة النصرة » ، ودفاعهم عنها ، وأخذت تتبخّر الوعود والأحلام ، وخبا بريق الائتلاف أسرع من بريق المجلس الوطنيّ ..
وكلّ ذلك يؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أن الغرب لا يريد لهذا النظام المجرم أن يسقط ، ويعمل بكلّ ما أوتي من قوّة لإجهاض هذه الثورة ..
فهل وعينا هذا المكر الغربيّ .؟! وماذا أعددنا له .؟!
إنّ شعبنا بكلّ مدنه وقراه ، وأريافه وأطيافه ، قد حزم أمره ، وأمضى عزمه : ألاّ تراجع عن هذه الثورة : « ننتصر أو نموت » ، وأعلن بكلّ إيمان وقوّة يقين : « يا الله ! ما لنا غيرك يا الله ! » ، وجعل شعاره في كلّ حركة : « الله أكبر ! » .
فهل يكفي ذلك .؟ إنّه ولا شكّ خير كبير ، وعدّة للنصر عظيمة ، ولكنّها غير كافية .. فلا بدّ مع كلّ ذلك من اجتماع الكلمة ، وحسن التخطيط ، وحشد الطاقات ، وإحكام الأسباب ، وإدخال البعد الإسلاميّ بقوّة ، ما دام عدوّنا يدعمه النظام العالميّ ويؤيّده ، ويمدّه بأسباب القتل والتدمير ..
ولن تبلغ عندئذٍ قوى المكر كلّها أن تكون بوزن هباءة أمام قوّة الله وتأييده : و « .. كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، والله مع الصابرين (249) » البقرة ، « والله غالب على أمره ، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون (21) » يوسف .
أيّها العالم من شرقه إلى غربه ، بعجمه وعربه .. الثورة السوريّة تتحدّى .. ليس تحدّيات فارغة ، كتحدّيات النظام العفن لإسرائيل ، ولكنّها تحدّيات بقوّة الله جلّ وعلا ، بقوّة الحقّ الذي تؤمن به ، وتدافع عنه ، بقوّة الوعد النبويّ الصادق ، للطائفة القائمة على الحقّ أنّها منصورة بإذن الله ، بوعد الله لجنده ورسله : « كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي ، إنّ الله قويّ عزيز (21) » المجادلة ، « وإنّ جندنا لهم الغالبون (173) » الصافات .