كيف السبيل إلى نصرته صلى الله عليه وسلم ؟
13 ذو القعدة 1433
حميد بن خبيش

دلت الأحداث التي صاحبت ظهور الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم على أننا أمام غرب متحضر في حدود ما تسمح به صليبيته , و أن العداء لديانة التوحيد و خاتم الأنبياء لا يندرج ضمن قائمة الحريات الفردية , كما يوهم بذلك الإعلام الغربي , بل هو انعكاس للوضع الشاذ الذي يعيشه المجتمع الغربي على مستوى القيم و الأخلاق الموجهة لسلوك الأفراد.

 

كما دلت على أن الأمة الإسلامية لازالت ترابط عند حدود الانفعال,غافلة عن حقيقة رسالتها الحضارية , وما تفرضه الخيرية و الاصطفاء من تكاليف و أعباء . وهذا التقصير الذي تئن الأمة اليوم تحت وطأته يُحيلنا على ما يعانيه العقل المسلم من تصدعات ورضوض و سيادة للنظرة الجزئية التي تحد من الإدراك الواعي لصميم المشكلة.

 

لقد تابعنا عبر الإعلام كيف انحرفت صيغ التعبير عن نصرة الرسول صلى الله عليه و سلم , ومظاهر الولاء للدين الحنيف عن مقصدها الأسنى , وهالتنا شحنة الغضب المدمرة التي أساءت للإسلام بدل أن تحقق له مكسبا نوعيا في ثباته الحاد أمام مخططات إنهاك العقائد و استبدال القيم .و إذا كنا نحمد لمثل هذه التظاهرات إعلانها عن صدق التمسك بثوابت الدين , و تعاليم الرسول صلى الله عليه و سلم ,مما يغيظ الأعداء ويردهم خائبين , إلا أن روح الثأر و نزعة التخريب تُمعن في تشويه الحقيقة الإسلامية , و تُمكن الإعلام الغربي من تثبيت قراءاته المضللة في أذهان غير المسلمين , و تحميل الدين وزر سلوكيات و ردود أفعال متشنجة و غير مدروسة .

 

إن الدفاع عن النبوة و درء الشبهات التي يُلحقها الإعلام الغربي بشخص الرسول الكريم هو من البداهة بحيث لا يحتاج معه مسلم إلى حشد الأدلة و النصوص المؤيدة , لكن السؤال الذي يفرض نفسه بحدة كلما تطاولت جهة حاقدة على خاتم الأنبياء هو : كيف السبيل إلى نصرته ؟ و هل يكمن الحل في الصراخ و الوعيد و الدعوة لمقاطعة المنتوجات , أم أن الأمر يستدعي مواجهة حضارية تملك من التصورات و الأدوات ما يؤهلها لاستعادة الموقع الريادي لأمة الإسلام ؟

 

إن أول شروط النصرة الحقة هو تفعيل قانون التغيير الذاتي الذي حدده القرآن بقوله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " الرعد الآية 11 .وهو تغيير لا يقف عند حدود الوثبة الروحية , و صحوة الوجدان , بل يمتد إلى سائر مكونات الذات المسلمة . فهو " يمنح الإرادة البشرية المؤمنة فرصتها في صياغة المصير , في التشبث به و استعادته إذا ما أفلت من بين يديها .. و من ثم فإنه ما إن تتهيأ هذه الإرادة للعمل عن طريق الشحذ النفسي , و الاستعداد الروحي و العقلي و الأخلاقي و الجسدي – كذلك- حتى تكون قادرة على مواجهة التحديات من أي نوع كانت , و بأي درجة جاءت ,

 

فتعجنها و تصوغها من جديد لصالح الإنسان , و هكذا يعود الإنسان – في المنظور الإسلامي – لينتصر على التحديات, و ليستعيد قدرته الأبدية على التجدد و التطور و الإبداع " (1).
ويقتضي الشرط الثاني إعادة التفكير في موقع السيرة النبوية ضمن المناهج التربوية . ذلك أن النصرة الجادة تفترض الإلمام الواسع بالحياة المحمدية , و رصد وقائعها و أحداثها , لا من منظور تاريخي فحسب , بل من منظور حركي ممتد في الزمان و المكان . كما أن من مقتضيات النصرة كذلك حفز الاهتمام بالنماذج المشرقة التي يحفل بها التاريخ الإسلامي , و التي يُسهم عطاؤها و تضحياتها في تغذية الوجدان و السلوك برؤى و مواقف إيجابية .

 

أما الشرط الأخير لتحقيق نصرة فعالة فرهين بإدارة المعركة الإعلامية بجدية و اقتدار , و التركيز على تنويع الصيغ الدعوية. فعالمية الرسالة تفرض عالمية الخطاب و التخطيط السليم من لدن القائمين على الإعلام في العالم الإسلامي , كما تفرض تبني استراتيجيات فعالة لمواجهة الحملات المغرضة  وإزالة الشبهات , و تمكين المسلم المعاصر من الزاد الفكري و المعرفي الذي يُجنبه الاضطراب العقدي و الانحياز للطروحات المضللة .

 

 

إن تمادي وسائل الإعلام الغربية في الإساءة للرسول الكريم , و التطاول على عرضه الشريف يُلقي على عاتق كل مسلم و مسلمة واجب نصرته .غير أن النصرة المطلوبة تتخطى حدود الانفعال و الهياج العابر صوب التأسيس لمبادرات جادة تضع الحياة المحمدية في صلب الانشغال الفكري و التربوي و الإعلامي .يقول الشيخ محمد الغزالي " إن المسلمين يعرفون الآن عن السيرة قشورا خفيفة لا تحرك القلوب و لا تستثير الهمم, و هم يُعظمون النبي صلى الله عليه وسلم و صحابته عن تقليد موروث و معرفة قليلة , و يكتفون من هذا التعظيم بإجلال اللسان , أو بما قلت مؤنته من عمل . و معرفة السيرة على هذا النحو التافه تساوي الجهل بها . إنه من الظلم للحقيقة الكبيرة أن تتحول إلى أسطورة خارقة , ومن الظلم لفترة نابضة بالحياة و القوة أن تُعرض في أكفان الموتى " (2) 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
(1) : عماد الدين خليل : حول تشكيل العقل المسلم .سلسلة قضايا الفكر الإسلامي ع:6 .-1981- ص 164  
(2): محمد الغزالي : فقه السيرة النبوية .دار الشروق.ط 2 -1424 هـ- .  ص 5