الحقيقة المرّة التي غابت عن أكثر الناس منذ انطلاق هذه الثورة ، وأدركها بعضهم بجزئيّة وضبابيّة هي أنّ العالم الغربيّ كلّه من شرقه إلى غربه ، وبشماله وجنوبه هو الذي تآمر على قتل الشعب السوريّ ، وهو الذي خطّط لهذه الجريمة ودبّر ، ووزّع الأدوار وأمر ..
وذلك لهدف استراتيجيّ أكبر ، يتمثّل في هذه الجملة : « لا نريد أن يسقط هذا العميل ، مهما كلّف الثمن » ..
وفي سبيل هذا الهدف أمر العميل بن العميل ، المجرم الجزّار أن يباشر بقتل الشعب لأدنى مشكلة يفتعلها معه ، وأن يستمرّ بالقتل ، ويصعّد من أساليبه ، ويستخدم كلّ ما لديه من أساليب القتل وأدواته ، تحت سمع العالم وبصره ، ويقف العالم متفرّجاً عليه ، وكأنّه أمام مشهد تمثيليّ ، ومحرّضاً له بتصريحات تلو تصريحات ، ويعطيه مهلة للقتل بعد مهلة .. ويوزّع بين لاعبيه الأدوار ، ويدخل الممثّلين ممثّلاً بعد ممثّل ، إلى خشبة المسرح السوريّ ، بطول جغرافيّته وعرضها ، كيلا يملّ الزبائن المشاهدون ، من تكرار فصول المسرحيّة وتشابهها ..
وذرّاً للرماد في عيون هذا الشعب المنكوب ، ومن معه من أحرار الضمائر والعقول ، فلا بد من تخدير المشاعر الثائرة بوعود التصريحات ، الحامية والباردة ، والمراوغة والوقحة ، ولا بد من مدّ الحبال للإمساك بأيدي الغرقى ، أو إلقاء الحبال إليهم ، ولكن دون انتشالهم وإنقاذهم ، ولا بد من تعليقهم بالوعود بعد الوعود ، وإلقاء التهم عليهم تهمة بعد تهمة ، ليتراجعوا عن كثير من مطالبهم ، ويخفضوا من سقف طموحاتهم ، فالخطر منهم مؤكّد معلوم ، والمصلحة من عدوّهم العميل مؤكّدة ظاهرة ..
ويغيّر كثير من المساكين ممّن يسمّون معارضة ملابسهم ، ويعدّلون من هيئاتهم ، ويجعجعون فوق الطاولة ، ويغازلون من تحتها .. ويملك الممثّلون المتآمرون الكبار متّكآت كثيرة يراوغون بها هذا الشعب المنكوب ، والمعارضة البئيسة .. يلعبون بهم كما يلعب اللاعبون بتلك الكرة المسكينة ، التي لا حول لها ولا قوّة ..
ويمضي العميل يفسد في الأرض ، ويسفك الدماء ، ويمضي العالم في مراوغته وخداعه ، يلقي علينا اللوم ، ويبيعنا الكلام ..
فهل نيأس بعد كلّ هذا أو نستسلم .؟ وهل نندم على ما قدّمنا ، وما حلّ بنا .؟ إنّ الجواب طويل على هذه الأسئلة التي تجول في عقول كثير من الناس من قريبين ، يعيشون المأساة بكلّ أبعادها ، أو محبّين مشفقين ، يخشون هزيمة الثورة ، وانتصار المجرم الجزّار ..
ويمكن اختصار الجواب بإجمال ، في كلمات قليلة ، تحمل حقائق ضخمة عظيمة ، يمكن إجماله بكلمة عظيمة ، رفعها الثوّار شعاراً لهم في كلّ مظاهرة ، وهتفت بها حناجرهم ، واسترخصوا في سبيلها دماءهم وأرواحهم ، إنّها كلمة : « الله أكبر » ، التي زلزلت ولا تزال تزلزل قلوب الطغاة وأزلامهم ، كما تدمّر عروشهم وبنيانهم ..
ومن وراء هذه الكلمة حجج الإيمان ، وبراهين الزمان والمكان ، ووقائع التاريخ القريب والبعيد .. لمن كان له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيد ..
وإنّ من أعظم حجج الإيمان قول الحقّ سبحانه : « ويمكرون ، ويمكر الله ، والله خير الماكرين » ، وقوله جلّ من قائل : « كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ الله قويّ عزيز » ، وقوله جلّ وعلا : « والله غالب على أمره ، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون » .
هذه هي الحقيقة المرّة التي تعيشها سورية .. والأمرّ منها والأنكى أن لا يدركها كثير من الثائرين والمعارضين ، ولا يحسنوا التعامل معها ، أو يكابروا في الاعتراف بها .. والأمرّ من ذلك أن لا ترتقي النفوس المؤمنة بها إلى المستوى المعنويّ والمادّيّ ، الذي يؤهّلها لتعجيل النصر من الله تعالى لها : « وما النصر إلاّ من عند الله ، إنّ الله عزيز حكيم » .
فهل يستطيع الشعب الذي تطحنه آلة القتل ، وتعبث به مضخّات الخداع والتخدير أن يحطّم قواعد اللعبة ، ويخرج عن مسرح التمثيل ، ويقذف بمخطّطات الجريمة في وجوه أصحابها ، ويقرّر مصيره بإذن الله بدمائه وتضحاياته .. إنّه لقادر على ذلك بإذن الله ، وما ذلك على الله بعزيز .. « ويقولون : متى هو .؟ قل : عسى أن يكون قريباً » .