لايفل الحديد إلا الحديد !
29 ربيع الأول 1433
سعد العثمان

قرأت هذه الكلمات لأخينا خلدون شاكر اللولح، فوقعت في نفسي موقعاً عظيماً، وأثَّرت بي تأثيراً كبيراً، هذه الحادثة تجري أحداثها بصور شتَّى، بكافة محافظات وطننا الحبيب، التي قامت تطالب بالحرية والكرامة والعدل والمساواة، وهذه الواقعة جرت أحداثها في حي بابا عمرو بحمص العدية، يقول الأخ خلدون واصفاً حال طفلة توصي أباها أن يجلب لها خبزاً لتأكله:

 

أوصيته أن يحضر لي الخبز، فطبع قبلتهُ المعتادة على خدِّي وذهب..
ناديته بابا … بابا... لا تذهب … وعانقته بقوَّة …
شعرْت بأنَّني لن أراه ثانية.. ابتسم وقال: لن أتأخر..
لا أدري ما سرُّ هذا الإحساس؟ كنت قلقةً فعلاً..
فقد شعرت بأنَّ أمراً ما سيحدث " استر يا ربِّ" بعد دقائق معدودة من خروجه.. سمعت صوت طلقات رصاص.. ركضت إلى النَّافذة.. وشاهدته بصدمة أفقدتني وعيي.. إنَّه أبي !! نعم أبي ملقى في الشَّارع..
خرجت مسرعة إلى الشَّارع بابا .. بابا..
لا لن تموت !! يجب أن تعيش.. يجب أن ترى ابنتك وهي مهندسة..
يجب أن تهنئني عندما أنجح .. أرجوك يا بابا لالالا تمت !!.
سأحقِّق لك أحلامك .. انهض يا فرحة عمري كيلا تقتل عمري...
حينئذ أمسك بيدي والدُّموع في عينيه، وقال:
لا تبكي يا حبيبتي ولا تعذبيني.. فقد جاء أَجلي.. ومرحبا بلقاء ربي..
أوصيك بأمِّك وأخوتك أوصيك بهم .. ومسح دموعي وقبَّلني ومات..
مات الذي أحيا من أجله.. مات دون أن يقترف ذنباً..
يا إلهي ما أصعب الظُّلم !! لماذا أبي؟! لماذا ؟!.
غابت شمسي.. وقُتلت بسمتي..
مات أبي في حِضني، ودمه في يدي .. من سيسهر معي ؟.
من سيفرح بنجاحي ؟. من سيمدُّني بالصَّبر والقوَّة ؟.
من سيمنحني العطف والحنان ؟.
قمت وصرخت صرخة شقَّت حنجرتي
يا أللــه!!." انتهى كلامه بتصرف يسير".

 

إنَّ الحلَّ الوحيد لتخليص شعبنا العظيم في سوريَّة، وأمَّتنا العربيَّة والإسلاميَّة، بل والإنسانيَّة جمعاء، من العصابة الأسديَّة الفاجرة، وشبِّيحتها الغادرة، إنَّما يكون بالقوَّة المسلحة، وإعلان الجهاد المقدَّس...
إنَّ المظاهرات السِّلميَّة، والحراك السِّلميِّ، يمكن أن تنفع مع البشر العاديين، والحكام الدِّيمقراطيين الحضاريين، الذين ينتمون إلى فصيلة البشر، ويحترمون كرامة المواطن وإنسانيَّة الإنسان ...
أمَّا الكلاب المسعورة، والصَّراصير المؤذية، والحيوانات المفترسة، فليس لها من علاج إلا السَّحق، والحديد بالحديد يُفلح، والسَّيف ليس له إلا السَّيف، ولا كرامة لمعتدٍ ظالم أثيم...

 

قال الله تعالى:﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾الحج: 39 - 40. وقال الله تعالى:﴿‏لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ، وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾‏النساء: 148. وقال الله تعالى:﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾الشورى: 38- 42.

 

من هنا نرى لزاماً على المجلس الوطنيِّ السُّوريِّ أن يكثِّف جهوده في المحافل الدَّوليَّة، ويضغط بكلِّ ما يستطيع من قوَّة على الجامعة العربيَّة، لتضغط بدورها بكلِّ ما تستطيع من قوَّة أيضاً على مجلس الأمن في مداولاته الحاليَّة، لاتخاذ قرار جريء وعاجل لوقف المذبحة الرهيبة، التي يتعرَّض لها شعبنا فوراً، وإسقاط العصابة الأسديَّة الظَّالمة، وتحرير سوريَّة من براثنها، وعودتها إلى حضن العروبة والإسلام والإنسانيَّة. فإذا عجز عن ذلك، فليس أمام شعبنا إلا خيار واحد فقط، وهو خيار الدِّفاع عن النَّفس، الذي أعلنته الجماهير الثَّائرة في جمعة (الدِّفاع عن النَّفس). وهو خيار كفلته لشعبنا كلُّ الشَّرائع والدَّساتير الأرضيَّة والسَّماويَّة، والذي أراه يتحقَّقُ بالنِّقاط التَّالية:

 

أولاً: إطلاق تنسيقيَّات الثَّورة لعمليَّة الجهاد المقدَّس، وإعلان التَّعبئة العامَّة، والدَّعوة فوراً للالتحاق بالجيش السُّوريِّ الحرِّ لكلِّ قادر على حمل السِّلاح  من أبناء الوطن، وخاصَّة من الذين كانوا قد أدُّوا خدمة العلم.

 

ثانياً: تكليف قيادات الجيش السُّوريِّ الحرِّ، بالتَّعاون والتَّنسيق والتَّشاور مع كلِّ مخلص وغيور، وصاحب طاقة من أبناء الوطن والأمة؛ لوضع خطَّة عسكريَّة كاملة؛ لإسقاط النِّظام في أقرب فرصة وأقلِّ خسائر ممكنة.

 

ثالثاً: تعبئة كلِّ مقدَّرات الشَّعب في الدَّاخل لهذه المهمَّة المقدَّسة.

 

رابعاً: تعبئة كلِّ طاقات المعارضة في الخارج، وعلى رأسها المجلس الوطنيُّ السُّوريُّ لدعم الجيش السُّوريِّ الحرِّ، ومن تجحفل معه من أبناء الشَّعب، بكلِّ وسائل الدَّعم البشريَّة، والعسكريَّة، والماديَّة، والسِّياسيَّة، والإعلاميَّة، وغيرها، وكذلك دعم الشَّعب السُّوريِّ العظيم بكلِّ أشكال الدَّعم الممكنة؛ لتمكينه من احتضان هذه الثَّورة المباركة، والصُّمود حتَّى تحقيق أهدافها المقدَّسة في الحريَّة والتَّحرير. 

 
خامساً: تعبئة كلِّ طاقات الأمَّة  من المحيط إلى الخليج، ونخصُّ أهلنا في دول مجلس التَّعاون الخليجي، وإخواننا من أصحاب الثَّروات النَّاجزة، لدعم الثَّورة السُّوريَّة المباركة، بكل أشكال الدَّعم الممكنة؛ لسحق هذه العصابة الظَّالمة، وسحق عملائها في المنطقة، وتقليم أظافر أسيادها في قم وطهران، وتخليص سوريَّة، والمنطقة، والأمَّة من غدرها وشرِّها وتآمرها إلى الأبد. وهنا نذكِّر الأمَّة بواجب النُّصرة، فقد ثبت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: (مثلُ المؤمنين في توادِّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم؛ كمثلِ الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى)متفق عليه.

وقال: (المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيان، يشدُّ بعضُه بعضاً)متفق عليه.
كما نذكِّر بخطورة خذلان الشَّعب السُّوري اليوم، وهو يخوض أعظم ثورة في تاريخه منذ الفتوحات الإسلاميَّة ...

 

عن جابر، وأبي أيوب الأنصاريِّ رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم: ( ما من امرئ يخذلُ مسلماً في موطن يُنتقصُ فيه من عرضُه، ويُنتهك فيه من حُرمتُه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نُصرتَه، وما من امرئ ينصرُ مسلماً في موطن يُنتقصُ فيه من عرضه، ويُنتهكُ فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يُحبُّ فيه نُصرتَه) رواه أحمد وأبو داود.
ختاماً: يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾الأنعام: 36.