عندما تغيب الحقيقة أو يخبو ضوؤها الساطع , وفي ظلامة الجهل والتشكيك عندما لا يتبين الناس صدق أو كذب محدثيهم , يتحول الأمر من اليقين إلى الظن , ولا يتبقى للمؤمن سوى أن يتمسك حينها عند معاملته لإخوانه الذين يعرفهم ويثق فيهم من قبل بقيمة إسلامية عظمى ألا وهي حسن الظن .
فالمؤمن الذي يعلم عن أخيه خيرا ولم يره في موطن يجاهر بمعصية الله ويراه دوما في صفوف المؤمنين فكرا ومنهجا وسلوكا , فعندما يبلغه عن أخيه قول أو فعل مخالف فلا يجب عليه ابتداء أن يصدق كل ما يقال , بل يجب عليه أن يحسن في أخيه الظن ثم يتبين صحة هذا الخبر أو كذبه قبل أن يكون له ردة فعل .
ففي هذه الأيام التي نحياها يقتات كثير من الناس على اختلاق كلمات أو مواقف لأناس نحبهم في الله , أو يجتزئون بعض كلماتهم ويخرجونها عن سياقها , أو يستدلون بها في غير موضعها , للتفريق بين المؤمنين ولإشاعة الخلاف بينهم , ولهذا يجب على المسلم أن ينتبه ويقدم حسن الظن بأخيه المسلم حتى ينجو المجتمع كله من الآثار السيئة لسوء الظن .
يتناقل الناس جملة ويحفظونها ويعتبرونها مثلا قائما مسلما به وهي " إن سوء الظن من حسن الفطن " , نعم هذه الجملة تصلح غالبا مع العدو الذي يخالفنا الدين والعقيدة , وقد تصلح أيضا مع المظهرين العداوة للفكرة الإسلامية حتى لو كانوا من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا , لكنها تعتبر معصية كبيرة في حق المؤمنين ومخالفة صريحة للآيات القرآن الكريم ولسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
فقد قال الله سبحانه " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ "
ويروي البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا "
يجلس رجل في قعر بيته مع زوجته وليس هناك ثالث يسمعهما إلا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور , ويتحدث مع زوجته حديثا يثني عليه الله , ويُطلع عليه رسوله صلى الله عليه وسلم ليعلم الأمة قيمة حسن الظن وذلك في آيات تتلى إلى يوم القيامة , ففي حادث الإفك الذي لحق بالطاهرة المطهرة السيدة عائشة بنت أبي بكر يقول أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - لامرأته : ألا ترين ما يقال في عائشة ؟ , فقالت : لو كُنْتَ بدل صفوان ، أَكُنْتَ تخُون رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ؟ , فقال: لا ، قالت : ولو كنتُ أنا بدل عائشة مَا خُنْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعائشة خير مني ، وصفوان خير منك , فقالا سويا سبحانك هذا بهتان عظيم وإفك مبين , فكانت تلك الآيات التي تستحث المؤمنين على حسن الظن وتثني على فاعله " ولوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ "
إن سوء الظن معصية , وخاصة في هذه الأيام التي يسمع فيها المؤمن في كل لحظة أخبارا مُختلَقة وكلمات تنسب لإخوانه لم يقولوها , لتحتاج منا إلى الالتزام بهذا الخلق الإسلامي الراقي وهذه الخصلة الإسلامية التي تحقق للمجتمع المؤمن أمنه وتماسكه , ولتكن ردود الأفعال على اليقين بدلا من الشك تحقيقا لقول الله سبحانه " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ "