هزة عنيفة وشديدة يتعرض لها عدد غير قليل من البيوت تصيبها بجرح كبير وتكاد تعصف بالعلاقة الزوجية كلها يوم أن تكتشف الزوجة أن زوجها على علاقة بامرأة أخرى سواء أكانت هذه العلاقة سطحية أو عميقة , قديمة أو جديدة , شرعية أو غير شرعية .
فالمرأة هي المرأة في كل زمان ومكان , لا تختلف مشاعرها ولا أحاسيسها وهي مخلوق رقيق يحتاج دوما إلى تعامل نفسي خاص .
إن الهاجس الأول في حياة كل زوجة الذي يسيطر عليها كثيرا هو هاجس الخوف من وجود امرأة أخرى في حياة زوجها تشاركها فيه أو تسلبه منها , وما أقسى أن تتأكد الزوجة من ظنونها وتتيقن بوجود تلك المرأة , وتتيقن أن هناك قدرا من الأسرار في حياة زوجها لا يرغب معرفتها به , ويحرص على كتمانه وإخفائه عنها.
وللمرأة طرقها التي تستطيع بها معرفة حقيقة ذلك , تبدأ بإحساسها بزوجها الذي لا يمكن أن يكذبها , وشعورها أن زوجها متغير بعض الشئ وليس على طبيعته النفسية معها التي تعرفها جيدا ككل زوجة عن زوجها , فكلامه وطريقته وتصرفاته وردود أفعاله معها بها الكثير من التغير , والذي لا يستطيع الزوج إخفاءه عنها مهما كان دقيقا في تصرفاته ومهما بالغ في كتمان أمره , وليس العجب أن تستشعر الزوجة بذلك سريعا وإنما العجب في كل زوجة لا تستطيع فهم تصرفات زوجها لتكون أول من يلحظ عليه أي تغيير , وربما تسأل الزوجة زوجها عن سبب تغيره فلا تجد ردا مقنعا منه بل قد تجد منه النفي المطلق لوجود أي تغير في حياته وربما يسوق بعضهم مبررات ضغوط العمل ومشاكله .
ودائما توجد هناك - على اختلاف الأزمان والأماكن والبيئات والثقافات - فئة من الناس يتطوعون بنقل أخبار الأزواج إلى زوجاتهم حتى لو لم توجد لهم أي مصلحة ظاهرة في ذلك , فيقحم المرء منهم نفسه فيما لا يعنيه وكأنهم لم يستمعوا أو يعوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي بسند حسن " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " , فيبحثون وينقبون عن الأخبار التي تهدم البيوت حتى لو كانت لا ترقى إلى مستوى اليقين , فيزداد الشك في تصرفات الزوج وتبدأ الزوجة في تتبع زوجها ومراقبته .
وغالبا ما تصاب الزوجة بحالة توتر عصبي وربما تهمل كل القضايا والاهتمامات والمسئوليات إلا تلك القضية التي تأسرها وتنال كل وقتها وجهدها , وتبدأ في التحقيق والتدقيق والشك , وعندما تصل إلى دليل ملموس تتأكد فيه من أن زوجها بالفعل يعرف امرأة غيرها , لا يهمها كون المرأة الأخرى قبلها أو بعدها , تلك النتيجة التي تنقلها إلى مرحلة أخرى في التعامل مع زوجها , ويتغير رد فعلها معه بعدها وتتصرف بعضهن تصرفات بعيدة كل البعد عن العقل والمنطق والصواب , والتي قد تختلف بحسب طبيعة الزوجة من المواجهة الصريحة بكل ما تحمله من نتائج وتبعات التي ربما تصل مع أكثرية منهن إلى طلب الطلاق .
اننا نتحدث في أمر شائك وشاق على الأسرة كلها ولا يمكن التهوين من قدره ولا الإعراض عنه ولا الاستهانة أيضا بإحساس الزوجة بالجرح .
ولكننا أمام أمرين مختلفين تماما في النظرة والمعالجة , فعند تأكد الزوجة من وجود امرأة أخرى في حياة زوجها , فهناك حالة شرعية أي أنها زوجة أخرى للزوج سابقة أو لاحقة , والحالة الأخرى غير شرعية ومحرمة , ولكي لا تهدم البيوت بأفعال الأزواج وردود أفعال الزوجات , يجب أن نتوقف عدة وقفات معا قبل أن يحدث تلك الكارثة الأسرية :
أولا إذا كانت العلاقة شرعية :-
تكون المرأة مجروحة في كل الأحوال , ولهذا يجب مراعاة الحكمة في التصرف معها ففي اللحظة التي يبلغ بها التوتر العصبي مداه لحظة علمها وتيقنها بذلك , ففي ثورة غضبها وإحساسها بالمرارة لا يجب أن يطالبها أحد أن تتعامل بالعقل ويحاول أن يجعلها تستوعب الفرق بين الحالتين - حالة كون علاقته بالمرأة الأخرى شرعية بزواج أم غير ذلك – ومن ثم يطالبها بالهدوء والقبول والرضا الكامل في لحظة واحدة , فالأمر شاق عليها وقتها , ويجب مراعاة نفسيتها فيه حتى لا تقع المرأة في لحظة غضبها في محاذير شرعية , وربما تتفوه بعضهن بما لا يرضي الله سبحانه من الاعتراض على الشرع أو الانتقاص منه أو اتهامه بشيئ ونحو ذلك , فمن الواجب ألا نأمرها إلا بما تستطيعه حقيقة في تلك اللحظة
يجب أن نعلم أن لكل ثورة فورة , وبعدها ستهدأ كل المشاعر الإنسانية حتما , فمرور الزمن كفيل بنسيان أو تقبل أي وضع مهما كان قاسيا , فيمكن للإنسان أن يوضح للزوجة - بعد هدوئها - التفرقة بين الحالة الشرعية وغيرها في تلك اللحظة ويساعدها على تقبل الحالة الشرعية فالمسلم يرضى بشرع الله , فلا يقاس نجاح الزوج في مجرد إقامة الحجة وإظهار زوجته بصورة المخطئ المقصر دوما , أو بمحاولة الانتصار عليها باستخدام أي سلاح حتى ولو بسلاح الدين , فالعلاقة الزوجية تقوم على المودة والرحمة لا على أسلوب المعارك والحروب .
أما إذا كانت العلاقة علاقة غير شرعية :
فمصطلح ( الخيانة الزوجية ) غير دقيق وغير سليم ودخيل على ديننا وثقافتنا الإسلامية , إذ أنه قصر واختزل هذه الجرائم في العلاقة بين الزوج والزوجة فقط , واعتبر أن الأمر يتعلق كله باسترضاء الطرف الآخر والاعتذار له , فان صفح فيمكن نسيان الأمر تماما واعتباره لم يكن , وبالغوا في ذلك جدا وكرروه حتى تقرر , فتشربنا كمجتمعات إسلامية هذا المفهوم , وهوالاختزال والحصر في تلك الزاوية الضيقة , ولكن الرؤية الإسلامية أشمل وأعم من ذلك بكثير , إذ تعتبر هذا الفعل الدنس من أحد الطرفين - ليس خيانة للآخر فحسب - بل خيانة للدين ولأوامر الله ولنواهيه , إنه كبيرة من الكبائر التي يعاقب عليها الشرع الحنيف بأشد العقوبات , وليس الأمر بيد الطرف الآخر وحده يصفح أو يقبل فينتهي الأمر, إن الزوج لم يرتكب الخطأ في حقها هي فقط حتى تصفح أو تعاقب , وكذلك الزوجة فليس الأمر موكولا للزوج فقط يغضب أو يرضى , ولكنه الخطأ والتفريط في جناب الله – سبحانه – ويلزم المخطئ توبة لهك مقدمة دائما على حقوق البشر .
وهذا ما فعله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم , ففي الحادثة التي اتهمت فيها الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنهما- بهذه التهمة الباطلة , فقال لها قبل نزول براءتها من السماء كما تروي هي رضي الله عنها كما في البخاري " قالت : فتشهد ثم قال يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بشيء فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه ".
إن الأمر متعلق بالله بداية قبل البشر , ولكننا عندما علقناه بالبشر قبل حق الله سبحانه وقعنا في أخطاء كثيرة منها :
أننا نستعظم هذا الخطأ كمجتمع وأفراد إذا صدر من الزوجة وفي نفس الوقت نقلل من شأنه إذا جاء من الزوج ..
وأيضا نستعظمه إن صدر من أحد بناتنا في حين نتهاون به ونقلل من شأنه إذا صدر من الأبناء الذكور , لأننا حينها لا نتعامل على أنها كبيرة وجريمة شرعية بقدر ما نتعامل على أنها خادشة للشرف وننسى حق الله الذي يسوي في هذا الذنب بين كل الناس .
أما عن تصرف الزوجة الحكيمة مع زوجها في الحالين ففي الحديث بقية