هل أصبح الطلاق ظاهرة في الزواج الحديث؟!
انتشر قاتل المجتمعات ومدمرها في مجتمعاتنا العربية ، فمثلا في دولة مثل مصر وصلت معدل حالات الطلاق فيها إلى معدلات قياسية عالمية ـ حسب دراسة نشرها مركز معلومات دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري - ، حيث صنفت تلك الدراسة مصر الأولى على مستوى العالم في حالات الطلاق ! وأضافت تلك الدراسة أن معدلات الطلاق خلال الخمسين عامًا الماضية ارتفعت من 7% إلى 40% ، وأن اليوم الواحد يشهد 240 حالة طلاق ليبلغ إجمالي عدد المطلقات في مصر 2.5 مليون مطلقة! وكان نصف هذه الحالات في السنة الأولى من الزواج ، وحوالي 70% منها في الزواج الأول ، ومعظم الحالات من الشريحة العمرية التي تتجاوز 30 سنة ، وقد زادت هذه النسبة بعد قانون الخلع الذي يعد الوسيلة السريعة لإنهاء الزواج من جانب المرأة.
وكذلك الحال في المجتمع السعودي ، ففي آخر دراسة أعدتها وزارة التخطيط السعودية تبين أن نسبة الطلاق في المملكة العربية السعودية ارتفعت عن الأعوام السابقة بنسبة 20%، وقد سجلت المحاكم الشرعية 70 ألف عقد زواج ؛ و13 ألف صك طلاق خلال عام واحد، وتأتي مدينة الرياض في المرتبة الأولى من بين مناطق المملكة من حيث ارتفاع نسبة الطلاق فيها1
وفي حديث مع سماحة الشيخ " عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ " - المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء – حول الطلاق ، أكد أن عدد حالات الطلاق التي ينظرها هو شخصياً قد بلغت أكثر من 4 آلاف حالة طلاق سنوياً بمعدل 15 حالة طلاق يومياً ، وبلغ إجمالي عدد حالات الطلاق التي نظرها بنفسه منذ توليه منصبه حتى الآن اثنين وأربعين ألفاً وأربعمائة وثلاثة وثلاثين حالة طلاق (42433).2
ولم يختلف الوضع كثيرا في دول المغرب العربي ؛ حيث تؤكد الدراسات الاجتماعية هناك أن نسبة الطلاق قد بلغت 25% ، أغلبها خلال العامين الأولين من الزواج.
كل تلك الأرقام تدعو للدهشة والوقفة من أجل دراسة متأنية ، للوقوف على حقيقة وجذور تلك المشكلة للوصول لحل عملي وواقعي لها.
ولكن ما هو السبب الحقيقي وراء انتشار تلك الظاهرة المدمرة في مجتمعاتنا ؟
للطلاق أسباب كثيرة اجتمعت متضافرة لتعطينا تلك النتيجة المؤسفة ، وبعض تلك العوامل يرجع للظروف الاجتماعية والمادية ، فنتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها كثير من البلدان الإسلامية الآن ، جعل ذلك يؤثر على كل البيوت ، وليست البيوت التي تعرضت لحالات طلاق فقط.
ولكن لا يمكننا التعويل على الأوضاع الاقتصادية فقط ، فمجتمعات كالمجتمع المصري مثلاً مرت عليه أوضاع اقتصادية أسوء مما يعيشها الآن ، وذلك أثناء فترات الحروب التي خاضتها مصر من قبل ، ولكن لم تؤثر تلك الظروف الطاحنة على الأسرة المصرية بذلك الشكل المخيف، بل زادت من تماسكها وترابطها. وكذلك الحال في المجتمعات الخليجية ، فهي رغم تيسر سبل المعيشة فيها تعيش نفس المشكلة.
وهناك عوامل ترجع إلى ضعف الدور الرسمي للدولة في معالجة تلك الظاهرة ، فدولة مثل ماليزيا عندما ارتفعت بها نسبة الطلاق إلى 32% ، أصدرت قرار بأنه لا يتم عقد الزواج إلا بعد تقديم الزوج والزوجة ما يفيد حصولهم على دورات في الحياة الزوجية والأسرية في نقاط محددة مثل: أهداف الأسرة، والتخطيط للحياة الزوجية، وفهم نفسية الزوج أو الزوجة، وطرق زيادة حب كل طرف للطرف الآخر، وإدارة المشكلات الأسرية، والمسئوليات، والميزانية. والنتيجة بعد عشرة أعوام من تطبيق تلك التجربة انخفضت نسبة الطلاق إلى 7% فقط، ولعل هذا ما دفع دولة عربية كالإمارات إلى التفكير جديا في تطبيق نفس التجربة.
ولكن هناك عامل أخطر وأهم وهو الداء العضال الذي تفشى للأسف في مجتمعاتنا ؛ وهو ضعف الوازع الديني لدى الرجال والنساء ، مما جعل بعضهم يتخذ الزواج كألعوبة للتسلية وفقط ، أو ربما للحلف على أحد ما للقيام بعمل ما ، أو لإثبات صدقه في صفقة ، ونسوا أن الله – عز وجل – قد شرع الطلاق علاجـًا لمعضلة الخلاف بين الزوجين بعد التأكد من استحالة العشرة الزوجية بينهما .
إذا هل أصبح الطلاق هو الحل الوحيد ؟
بالطبع لا .. فمن رحمة الله – عز وجل – بنا ؛ أن وهبنا تشريعا حكيما ، فالإسلام لم يبح الطلاق هكذا بلا رابط ولا ضابط ، فلقد وضع التشريع الإسلامي ما يمكن أن نطلق عليه موانع أو عوائق قبل الوقوع للطلاق.. يمكن أن نجملها في :
أولا: قبل الزواج فتبدأ بحسن الاختيار بقوله – صلى الله عليه وسلم - " تنكح المرأة لأربع لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها . فاظفر بذات الدين تربت يداك " صحيح مسلم ، فإذا كان الاختيار من البداية موفق ، كان ذلك من عوامل نجاح هذه الزيجات.
ثانيا: الاستشارة والاستخارة . فلا خاب من استشار ولا ندم من استخار.
ثالثا: قوله تعالى { وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ، فَعِظُوهُنَّ، وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ؛ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ، فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } سورة النساء :34
وتلك الآية يمكن أن نطلق عليها دستور الأسرة المسلمة في الخلافات الزوجية ، فهي تقدم منهج عملي متدرج للوصول إلى بر الأمان وعدم الوقوع في فخ الطلاق .. مع مراعاة أن الضرب المباح هنا يكون بطرف الثوب أو بالسواك ؛ كما جاء في السنة النبوية المشرفة .
رابعا: قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } سورة النساء : 35
وهنا إذا بلغت الأمور ذروتها بين الزوجين ؛ واحتاج الأمر تدخل آخرين ، فإن الله ينبه على أنه هو الراعي الرسمي لتك المباحثات والمفاوضات في قوله تعالى { إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا } ، فالله يخبرنا إن التوفيق والفلاح هو النتيجة الطبيعية والحتمية إذا كان الطرفان يريدا الصلاح والتوفيق بين الزوجين ، فما بالنا بمفاوضات يرعاها الله – عز وجل – سبحانه .
خامسًا: العدة وهي الفترة التي تقضيها الزوجة في بيت زوجها ، ولا تخرج منه حتى تنقضي العدة ! وهو الخطأ الذي تقع فيه أكثر النساء وهو أنه في حالة حدوث الطلاق – لا قدر الله – تخرج إلى بيت أهلها بحجة أن زوجها أصبح محرمًا عليها ، وهذا خطأ كبير لأن الصحيح هو أن تبقى في بيت زوجها حتى تستوفي شهور العدة كاملة ، لقوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } سورة الطلاق : الآية 1 ، والحكمة من ذلك نجدها فيما بقى من الآية { لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } سورة الطلاق : الآية 1 ، فلعل هذا الزوج يراجع نفسه ويرد عليه زوجته وينعما بحياة آمنة مطمئنة بمن بعد ذلك
لهذا فالطلاق هو الحل الأخير الذي لا مفر منه عند استحالة المعيشة ، وليس أول حل تلوكه الألسنة عند حدوث أي مشكلة بين الزوجين ، لأن من يدفع الثمن ليس الزوج ولا الزوجة ، ولكن أطفالهم .
بل لن نكون مبالغين إذا قلنا أن الذي يدفع الثمن هو المجتمع بأكمله ، فما بالكم بمجتمع أطفاله مشتتين بين أب وأم منفصلين ، وإهمال زوج أم ، أو إهانة زوجة أب . بالطبع نتيجة في غاية السوء ، يدفع ثمنها المجتمع بأكمله ، لذا لا بد من تضافر كافة الجهود من أجل إيجاد حلول عملية لتلك المشكلة التي تؤرق بال الكثير في مجتمعاتنا العربية.
________________________________________
[1] - مجلة البحوث الأمنية الصادرة عن كلية الملك فهد الأمنية – العدد 33
[2] - جريدة الرياض – 5/2/2010 م