مهلاً ياهالة! السعوديات نساء لا نسويات!
17 جمادى الأول 1432
قمراء السبيعي

-         أنا نسوية ، وأتبنى في مشروعي الشخصي دعم النساء من خلال الاتفاقيات الدولية التي دعت إليها الأمم المتحدة !
-        المحاولة الساذجة للمقارنة بين أوضاع السعوديات وأوضاع النساء في عصور تأسيس الدول الغربية الأولى هي محاولة عبثية متكررة من الخطاب الصحوي لتجميل واقع مزرٍ !
-         النسب التي أوردتها " السبيعي "  في تقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط – والتي تؤكد ارتفاع نسبة العاملات في مجال التعليم ، والصحة ، والعمل الاجتماعي ، والقطاع المصرفي-  ، لاتعكس سوى انتشاراً محدوداً ومتكدساً في قطاعات معينة ! ولاتعكس تقدماً رأسياً للنساء في مناصب صناعة القرار !

 

 
ما سبق من الأسطر أعلاه مقتطفات من عباراتٍ تضمنها مقال للكاتبة ( هالة الدوسري )  ، الذي نُشِرَ بصحيفة الحياة يوم السبت الموافق: 12/5/ 1432هـ  بعنوان : " قليلاً من النسوية ياقمراء " ، حيث يعد  رداً على مقالي السابق  : " قليلاً من التعقل ياهالة الدوسري " الذي نُشِر في موقع " لجينيات " يوم الثلاثاء ، الموافق : 8/5/1432 هـ ،  و أشكر الكاتبة على فتح باب الحوار فيه ، لاسيما أنَّ الهدف من كتابتي لهذا المقال و ما سبقه من مقالات هو توضيح لبعض الحقائق المغلوطة  التي يُسَلَّم بها ! ورداً على الشعارات الزائفة التي تتعلق بالمرأة السعودية ، مع عدم إنكاري للمشكلات التي تعاني منها المرأة في المجتمع بسبب سوء تطبيق تعاليم الدين الإسلامي ، كالاستخدام  الخاطئ لحق القوامة والولاية بشكل يسيء للمرأة ، إضافةً إلى الالتزام ببعض العادات والتقاليد الاجتماعية ، وتغليبها على التعاليم الإسلامية .

 

 
وسأتطرق إلى أبرز ما ورد في مقال الكاتبة ( هالة الدوسري )  من خلال الوقفات التالية :
أولاً : استشهدت الكاتبة ( الدوسري ) بتقرير التنمية البشرية  الصادر عام 2010 م عن الأمم المتحدة ، مؤكداً أنَّ عدم العدالة بين الجنسين أنتج مانسبته 76 % من الخسارة في التنمية البشرية  ! مما جعل السعودية تحل في آخر الترتيب مع اليمن  !  وذلك من خلال  معايير تستخدم من قبل الأمم المتحدة لقياس  مدى اهتمام الدول المختلفة بأوضاع النساء ! 

 

 
وبعد إطلاعي على كامل التقرير الذي كان بعنوان : " الثروة الحقيقية للأمم : مسارات إلى التنمية البشرية " ، تعجبتُ  من أنَّ السبب الرئيس لقياس الفوارق بين الجنسين – عدم العدالة -  في مختلف مناطق العالم يعود للصحة الإنجابية ! كما أكده التقرير ( ص118 )  ،إضافة إلى عدد من المعايير كالتمكين ، والمشاركة في القوى العاملة ، ومكمن العجب أن تكون الصحة الإنجابية سبباً رئيساً لقياس الفوارق بين الجنسين ! كون هذا المصطلح  يعني : بحسب  " وثيقتي بكين 1995م - 2000م "  : تيسير حصول الأطفال والمراهقين على وسائل منع الحمل وتدريبهم عليها  ( بند 281هـ) ، بل ويشمل ذلك تقديمها لهم بالمجان أو بأسعار رمزية ! وإباحة الإجهاض وتقنينه تحت مسمى الإجهاض الآمن  ( بند 106 ك ) ، وتنفيذ برامج محددة كالتعليم لتقديم المعلومات للمراهقين بشأن قضايا الصحة الإنجابية ( بند 107 ز ) ، وعليه فحصولنا على المرتبة الأخيرة في هذا المعيار  يعد فخر لنا في تطبيق الشريعة الإسلامية التي تحرم هذه الأمور وتجرمها ! ، فكيف تتباكى الكاتبة على ذلك ؟! وتعده  تمييزاً ضد المرأة السعودية   !لاسيما أنَّ هذا المعيار بمعناه المعتمد في الأمم المتحدة يعد خروجاً واضحاً على الدين و القيم !
 

 

بل والعجب لا ينقضي عندما نعلم أن جزءً من هذا التقرير يؤكد حصول المملكة العربية السعودية على المرتبة الخامسة  في البلدان العربية الأسرع تقدماً في دليل التنمية البشرية ، وتصنف ضمن فئة التنمية البشرية المرتفعة ، إذا تبلغ في الترتيب ( 55) من أصل (135) دولة عالمية ، وهو نتيجة للإنجازات الكبيرة التي حققتها البلدان في الصحة والتعليم ( التقرير ، ص118- 146 )  ، فكيف تتجاهل الكاتبة هذه المرتبة المتقدمة التي حققتها السعودية  في ذات التقرير الذي استشهدت به ؟! وتذكر مرتبة أخرى لمعيار آخر مخالف لديننا  جعل دولتنا في آخر الترتيب العربي ! أتساءل ما هذه الانتقائية التي انتهجتها الكاتبة وتطويعها للنسب من خلال اختيار غير منصف لخدمة هدف مقالها ؟!

 

 
وبرغم كلّ ذلك ، فإنَّ تقارير التنمية البشرية لا تخرج عن أهداف الأمم المتحدة  ، وما تطرحه تحت مظلتها من اتفاقيات منافية للأديان والفطرة السوية ، وعليه ينبغي على الباحث الجاد أنْ ينظر إلى هذه التقارير بنظرة شاملة عقلانية ، فدور المرأة السعودية لا يجب أن يقاس بما تنشده الأمم المتحدة ، ولا أن يكون كرد فعل لتحولات عالمية إزاء المطالب الخاصة بزيادة دور المرأة  في شتى المجالات دون اعتبار للدين والقيم الأصيلة ! 

 

 
ثانياً : طالبتني الكاتبة في عنوان مقالها بقليل من النسوية ، وأكدت أنها نسوية ! ، معلنة أنَّها تتبنى في مشروعها الشخصي دعم النساء من خلال الاتفاقيات الدولية التي دعت إليها الأمم المتحدة !
الحركة النسوية  - كما هو معلوم – قامت على فلسفلة تدعو لتحقيق العدالة بين الرجال والنساء عن طريق المساواة ،  ويعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر  ، حيث  كانت المرأة  في الغرب محرومة من التصرف في أموالها ، وتفتقد فرص  الالتحاق بالتعليم ، والعمل ، وجاهدت الحركة في سبيل الحصول على هذه الحقوق  في البداية ، ثمَّ نادت بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة  في جميع الجوانب بما فيها التركيب البيولوجي لكل منهما ، وأصبحت تحمل إيديولوجية شاذة ، وصولاً لاعتبار الأسرة والأمومة والزواج من أسباب قهر المرأة ! وتكرس مفهوم أنَّ المرأة ضحية للهيمنة الشيطانية للرجل ! وأربأ بالكاتبة أن تدعو إلى مثل ذلك  وتتبنى مشاريع مماثلة في مجتمعنا !

 

 
ومن يدرك الأمور بعقله لا بهواه ! يستطيع استيعاب المكانة الرفيعة التي منحها الإسلام  للمرأة ، سواء أكان ذلك مقارنة بالعصر الجاهلي أو بتاريخ الدول الغربية ، وأتعجب من وصف الكاتبة بأنَّ الرجوع إلى تلك العصور محاولة عبثية متكررة للخطاب الصحوي لتجميل واقع مزرٍ !! وهي من اختارت مصطلح النسوية الغربي المنشأ لا نحن ! وحري بها في النقاش الرجوع إلى الأسس الفلسفية والفكرية التي ظهر فيها المصطلح ، وحال النساء المصاحب لذلك ! 

 

 
ألم تتساءل الكاتبة عن سبب انتشار الإسلام بين صفوف النساء الغربيات ؟! ولماذا لم ينلن حقوقهن من خلال الاتفاقيات الدولية ؟! فقد ذكرت " كلير - وهي إحدى النساء  اللاتي اعتنقن الإسلام مؤخراً  " : في الإسلام حرية ، اكتشفت أنَّ لديَّ ما يكفيني ، وأنا سعيدة حينما تعرفت على هذا الدين ، لقد حررني الإسلام من الشفقة على الذات والهواجس النفسية "  ( نعميمة روبرت ، نساء اعتنقن الإسلام ،ص 294 - 295) .

 

 
ثالثاً :
  أشارت الكاتبة بأنَّ نسبة مشاركة النساء السعوديات في سوق العمل ككل لم تتعدَ 11% - بحسب تقرير صادر لوزارة  الاقتصاد والتخطيط السعودية لعام 2010 م ، وذلكَ رداً على النسب التي أرودتها – في مقالي السابق -  والتي تدل على ارتفاع نسب العاملات في مجال التعليم ، والصحة ، والعمل الاجتماعي ، والقطاع المصرفي ، وأكدت الكاتبة " الدوسري " بأن تلك النسب لا تعكس سوى انتشاراً محدوداً ومتكدساً في قطاعات معينة ! ولا تعكس تقدماً رأسياً للنساء في مناصب صناعة القرار !

 

 
ويمكن الرد على ذلك من خلال ما تناولته الدراسات ذات الصلة بمجال سوق العمل ،  حيث أكدت على أن بعض التقارير والدراسات  التي توصلت إلى  محدودية إسهام المرأة في الأنشطة الاقتصادية ، تعتمد  بشكل رئيس على إسهامها الجزئي في سوق العمل الرسمي ، وبالتالي  فهي تتغافل  عن مجالات أخرى متعددة لعمل المرأة ، ومن ذلك عملها داخل المنزل ، وعملها عن بعد ، فلا يخرج كلَّ ذلك عن كونه نشاطاً اقتصادياً مصنفاً في سوق العمل ، وبالتالي يدخل إيراده في الناتج المحلي الإجمالي ، إضافةً إلى إمكانية  الاستفادة من المرأة في التنمية ، وذلك من خلال مساهمتها في التنمية الأسرية (المساهمة الاقتصادية للمرأة في المملكة العربية السـعودية ، 1426هـ ، ص  18- 22) ، وعليه فإن إغفال تلك الأعمال التي تقوم بها المرأة السعودية في هذه التقارير التي رصدت العمل الرسمي فقط لا يعد معياراً دقيقاً كما أوضحته الدراسات المتخصصة !
 

 

أما بشأن النسب التي استشهدتُ بها - في مقالي السابق - عن عمل المرأة في مجالات عمل تناسب طبيعتها ، ووصف الكاتبة  لها بأنها نسب متكدسة ،  ولا تعكس تقدماً رأسياً للنساء في مناصب صناعة القرار ! ، فإني أؤكد لها ولغيرها من المخدوعين بالشعارات البراقة الغربية  ، بأنه وبرغم كل الجهود للجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة ، فإن خطى التقدم في تحقيق التوازن بين الجنسين في مراكز صناعة القرار بطيئة ولا تكاد تذكر ! فقد بلغ متوسط الزيادة في تمثيل المرأة أقل من (  1%  ) ، (ندوة حقوق الإنسان و المرأة ، اندريه ميشيل ، أوردته الباحثة المتخصصة منال فنجان في كتابها : مبدأ عدم التمييز ضد المرأة في القانون الدولي والشريعة الإسلامية ، 2009م ، ص 51 ) ،  مما يؤكد أن هنالك فرق كبير بين الدعوات والشعارات البراقة  لمواثيق الأمم المتحدة التي ينخدع بها البعض ، وبين الأخذ بها وتنفيذها واقعاً حتى على الدول الغربية نفسها !
 
رابعاً : ذكرت الكاتبة أنها تدعم تغيير السياسات العامة التي تميَّز ضد المرأة ، وتنفيذ ما التزمت به المملكة في اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة !

 

 
من المعلوم أن المملكة العربية السعودية تحفظت عند مصادقتها على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة " السيداو " عام 2000م ، مؤكدة ذلك بالمرسوم الملكي ذي الرقم ( م/25) ، والصادر بتاريخ 28/5/1421هـ ،   والذي ينص على : " أنه في حالة تعارض أي حكم من أحكام هذه الاتفاقية مع أحكام الشريعة الإسلامية فإن المملكة لا تلتزم بما يتعارض معها " ، وقد أكدَّ الأمر ذاته قرار مجلس الوزراء ذي الرقم  (123) والصادر بتاريخ : 21 / 5 / 1421ه ،  وقرار مجلس الشورى ذي الرقم (71/77) الصادر بتاريخ 3/2/1421هـ ،  والاتفاقية تتعارض في بعض بنودها بشكل صريح مع الدين الإسلامي كمطالبتها بالمساواة في كافة الحقوق بين المرأة والرجل  في جميع المجالات ، والاعتراف بالشواذ  ومنحهم كافة الحقوق من باب المساواة ، وغيرها ، ولمن أراد الإطلاع على بنود هذه الاتفاقية فانصح بقراءة كتاب " رؤية نقدية لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW " الصادر عن اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل .

 

 
ولا يستنكر مخالفة بعض بنود الاتفاقية للفطرة ، عندما نعلم من يقف خلف صياغتها ؟! ، فقد ذكرت المهندسة  " كاميليا حلمي -  رئيس اللجنة الإسلامية  العالمية للمرأة والطفل  " أن : أستاذ  العلاقات الدولية والاقتصاد ،  والمشرفة على الوكالة  الأمريكية للتنمية الدولية ( كاثرين فورت ) أكدت على : "أنَّ المواثيق والاتفاقات الدولية التي تخص المرأة والأسرة والسكان ، تصاغ في وكالات ولجان تُسيطر عليها فئات ثلاث : (الأنثوية المتطرفة) ، و (أعداء الإنجاب والسكان) ، و(الشاذون والشاذات جنسياً ) ، وإنَّ لجنة المرأة في الأمم المتحدة شكلتها امرأة اسكندنافية كانت تؤمن بالزواج المفتوح ، وترفض الأسرة ، وتعتبر الزواج قيداً، وأنَّ الحرية الشخصية لابد أن تكون مطلقة " . 

 

 
وعليه فتوقيع المملكة ومصادقتها عليها لا يعد ملزماً بتنفيذ بنود الاتفاقية ، فتحفظ المملكة  عليها واضح جداً ، إضافةً إلى أنَّ المادة رقم ( 26 )  في الاتفاقية تكفل إعادة النظر فيها ، ولا أعلم  أبداً سبب إصرار الكاتبة وقطعها الوعود على نفسها  بتنفيذ هذه الاتفاقية ،  وجدوى اعتبارها مشروعها الشخصي ! ، فالخلل في  عدم إعطاء  المرأة حقوقها يعود إلى  التمسك بالعادات المتدثرة برداء الدين ، والدين منها براء  ، وعليه  فمن المفترض ألا نجابه هذا الخلل بخلل أكبر يدعو إلى التماهي مع النموذج الغربي  عبر اتفاقياته التي رفضها عقلاء الغرب قبلنا  ! ، فإصلاح المجتمعات الإسلامية لا يكون  بتبني مثل هذه الاتفاقيات المدمرة للأسرة ، وقبلها المرأة ، ولكن يكون ذلك بالإسلام ، وتطبيق أحكامه على وجهها الصحيح .
 
عودوا إلى النبعِ الأصيل ِفإنَّه  *** عذبٌ زلالٌ سلسبيلٌ هاني .