لقد امتلأت السماء بكل ألوان الغيوم , وتراكمت فصارت سحابة ثقيلة تنتقل في السماء , وامتلأت وامتلأت حتى أصبحت كالأم في آلام المخاض العسير تتحمل ألوان الآلام .
إن حتمية الميلاد لا بد لها من آلام مخاض , فتبدأ الشهور الأولى بكل آلامها ومنغصاتها وتتوسط ويملؤها الأمل عندما تسمع الأم همسات ورنات جنينها حينئذ تهون هذه الآلام ثم تنتهي بالأشهر الأخيرة حينئذ تشعر الأم بحركة جنينها بينما يزداد الألم ويضيق الصدر .
لكنها في لحظة خروج طفلها وعند نظرتها الأولى إليه لم تكن تتذكر أي نوع من الألم الذي قد عانته طوال أشهر طوال .
فقد جاءها اليسر بعد العسر , والفرج بعد الشدة , فإن رحمته سبحانه غيرت الحال وجددت الآمال فمهما اشتدت معصرات السماء وبلغت في عتمتها أعلى المقادير فهو سبحانه الذي يزيل الهموم , ويكشف الغموم , فمنه الخير وله الثناء وإليه العودة والملجأ والمصير .
إننا بحاجة إلى توعين من ثبات , ثبات القلب وثبات الجسد , فأما ثبات القلب فمردة الإيمان وفي سبيله نذكر قراءنا بما نكتب اليوم , وأما ثبات الجسد فيقويه ثبات القلب , ويدعمه العون الإلهي العظيم , ثم يدعمه التعاون على البر والتقوى ووحدة الصف , ونبذ الخلاف , وطهارة القلب للجميع .
إن الجميع ينتظر الماء الثجاج ليكون رحمة تريح قلوبنا وتذهب منها غمومها وعناءها .
لقد طلبت منا شعوبنا الدعاء لها والابتهال لنصرتها , فوجدت أنها لحظة قد يستجاب فيها الدعاء بالفعل , فهي لحظة الصدق والوفاء ولحظة الشجاعة والفداء .
لكنها لحظة لابد من أن تبدأ بالاستغفار الشديد حتى يفتح الباب بينه وبين الاستجابة الباب فيصعد منه الدعاء.
لقد لاحظت أن شيئا ما لربما يعوق الميلاد الجديد , ويزيد اللحظة الجديدة عسرا , فتيقنت أننا إذا أردنا الخروج منها فلابد أن نطهر أنفسنا أكثر وأكثر إن أردنا الحرية الحقيقية التي نبغيها , فلابد أن نحرر أنفسنا أولا من ألوان الآثام لأنها سبب التعسير والتأخير مهما استصغرناها واستهنا بها يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " إياكم ومحقرات الذنوب , فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا ببطن وادٍ , فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود , حتى حملوا ما انضجوا به خبزهم , وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه "
لذلك كان علينا إن أردنا العزة فلنعزز أنفسنا من كل ظلم تجاه غيرنا إن أردنا القوة .
وليس لنا إلا كلمة لا حول ولا قوة ولا قوة إلا بالله , نكررها موقنين بها فتزيد قوة قلوبنا وأجسادنا .
وعندما يضطرب القلب في الشدائد فليس افضل من هذا الدواء الساحر , كلمة لا إله إلا الله , أرددها كثيرا موقنة بها , فتتبدد لحظات الخوف , وتزول الاضطرابات , وماهي إلا لحظات إلا ويهدأ القلب من روعه ووجله .
وكذلك إن أردنا النصر فليس علينا إلا الصبر والثبات , والأمل فيما عند الله وحسن الظن به سبحانه .
فعلينا العودة إليه برفع اكفنا إلى السماء متذللين خاضعين خاشعين نلتمس منه العفو والمغفرة وندعوه أن يرفع عنا باس واستبداد الظالمين ويمدنا بعزة من عنده بل بجند من السماء كما أمد أهل بدر ترفع راية المسلمين وتوحد شعوبنا لكل ما يرضاه .
إنني أنصح إخواني وأخواتي جميعا , باللجوء إلى الله سبحانه ابتداء كما ذكرت , فهو الذي يقوينا بعد ضعف وينصرنا بعد ذلة .
فاللهم إنا عبيدك الضعفاء الفقراء , ليس لنا سواك ندعوه ونطلب منه السند والعون أنت القوي ونحن الضعفاء , نرجوك ونتوسل إليك أن تعلي ياربنا راية الحق .
إن جميع الشعوب الآن لتنتظر لحظة البشرى , وسعادة الميلاد , ليخرج مولود جديد يحمل الابتسامة للجميع , ليجعله الله بداية عهد جديد .