عزيمة القلوب ..وتحريك الجبال .. وسحق الظلم
21 صفر 1432
د. خالد رُوشه

رأيت نظرات الدهشة والاستغراب في عيون كثير من الناس لما رأوا سقوط الظالم , فلم يكونوا يتوقعون أبدا إسقاطه , ولم يكونوا يظنون أن ثباتهم لبضع أيام قليلات على عزمهم سيكون سببا قويا في زحزحة الجبال الراسخة .

 

لقد استقلوا قدرتهم الحقيقية لما رأوا ضعف عدتهم , واستهانوا بما يملكون من صمود النفوس وعزائم القلوب على الإنجاز والنجاح والتأثير .

 

لكن الواقع قد علم العالم جميعا , أن العزم والإرادة والتصميم قادرون على إخراج قوة من الجسد الضعيف لايتوقعها أحد ولا ينتظرها أحد حتى صاحب الجسد ذاته , فما بالك لو كان ذلك العزم موصولا بالله القادر العظيم ومباركا من العزيز الحكيم !

 

   إن العزيمة عمل قلبي بالأساس ، وإذا فقد القلب عزمه خارت قوى الجسد مهما كان قويا ، وقد تكون قوة الأعضاء متواضعة ضعيفة ولكن تقويها عزيمة القلب وتصلبها إرادته ويدعمها طموحه .

 

   إن القلوب لهي صاحبة القول النهائي في المواقف كلها ، ولابد من همه القلب قبل همة الأعضاء ليمر المرء بنجاح عبر المآزق والأزمات .

 

والمرء قد يبلغ الدرجات العلى بهمه قلبه ، حتى قبل أن تصل إليها جوارحه وأعضاء جسده , يقول صلى الله عليه وسلم في حديثه : " من هم بحسنه فلم يعملها ، كتبها الله عنده حسنه " البخاري . وقال فيمن تجهز للقاء عدوه ، ثم أدركه الموت : " قد وقع أجره على قدر نيته " النسائي .

 

وقال في حق الذين تخلفوا عن صحبته في تأمين حدود الدولة الإسلامية – في غزوة تبوك – من الذين حبستهم الأعذار ، " إن بالمدينة لرجالاً ، ما سرتم مسيراً ، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ، حبسهم العذر " متفق عليه

 

بل إن الأمر في رؤية الإسلام يفوق ذلك ، إنه يسري حتى في العبادة بين الإنسان وربه فيقول صلى الله عليه وسلم في حديثه ، " مامن امرئ تكون له صلاة بليل ، فغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته ، وكان نومه صدقة عليه " أبو داود

 

بل قد يتفوق المؤمن الفقير بهمته العالية على الغني كثير المال كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " سبق درهم مائة ألف درهم " ، قالوا : يا رسول الله ! كيف يسبق درهم مائة ألف ؟ " ، قال : " رجل كان له درهمان ، فأخذ أحدهما ، فتصدق به ، وآخر له مال كثير ، فأخذ من عرْضها مائة ألف " أخرجه أحمد .

 

فلكأن الطريق إنما يقطع بقوة العزيمة وعلو الهمة وتصحيح النية ودفق الطموح ، وأن عملاً قليلاً قد يصل صاحبه بعزمه ونيته إلى أضعاف مضاعفة مما يقطعه قليل العزيمة ضعيف النية ..

 

إن المنهج الإسلامي ليعلم الناس أن عزيمتهم الصادقة تذهب مشقة الطريق ، كما يعلمهم أن ضعف العزائم من ضعف حياة القلوب ، وأن القلوب كلما كانت أتم حياة ، كانت أكثر همة وعزيمة ، وكما أن عزيمة القلب هي دليل على حياته ، فإنها في ذات الوقت سبب إلى حصول حياة أكمل وأطيب , فإن الحياة الطيبة إنما تنال بالهمة العالية ، والمحبة الصادقة ، والإرادة الخالصة ، فعلى قدر ذلك تكون الحياة الطيبة ، وأخس الناس حياة أخسهم همة ، وأضعفهم محبة وطموحاً