بقدر ما يحتاج الزوجان لتعميق مفهوم الشراكة الزوجية بينهما، والنصح والتواصي بكل ما يحقق بينهما العشرة بالمعروف؛ فإنهما بحاجة موازية - بل أشد - إلى تعميق "شراكة الآخرة"!
إنها شراكة العمر الممتد إلى هذه الدار التي إليها المصير، وفيها الخلود؛ فليست إذن مجرد وصية ضمن الوصايا، بل هي المحور الذي ينبغي أن تدور حوله الوصايا، والمنهل الذي ترتوي منه!
ومن روائع ما وقفت عليه في ذلك قصة هذه المعلمة المباركة التي جمعها وزوجها الفاضل شراكة حياة رائعة؛ كما روتها هي بنفسها على صفحات إحدى المجلات؛ لتسهم بقصتها في تعميق هذا المعنى الجليل في البيوت المسلمة: شراكة الآخرة!
فقد استهلا حياتهما وأسساها على طلب مرضاة الله وتقواه، ومضت السنوات وهي تباشر عملها كمعلمة، تغرس العلم والتربية في طالباتها اللاتي أحببنها واقتدين بها؛ بفضل الله ثم تواصيها وزوجها الحبيب بجعل عمل كل منهما رسالة وأمانة، لا مجرد وظيفة وراتب.
فلمّا تطلعا إلى بناء بيت للمستقبل يتعاونان في تأمين المال له قال لها: "لن نبني بيتا في الدنيا حتى نبني بيتا في الجنة"!
وطاب لشريكي الآخرة المطلب؛ فاقتطعا تبرعا من راتبيهما لبناء مسجد؛ قبل أن يقتطعا منه ادخارا لبناء البيت!
ثم كانت الوقفة الأخرى الرائعة والكبيرة عندما منّ الله تعالى عليهما بالذرية، وبدأ العبء يزيد على كاهل المعلمة الزوجة والأم!
فلمّا تناقشا أبدت للزوج الحبيب رغبتها الشديدة في إتمام رسالتها التربوية تجاه طالباتها؛ فهي ليست مجرد وظيفة، كما اتفقا وتواصيا!
وكان الرد الحكيم التربوي الرائع: "تركك للعمل الآن بعد تزايد العبء، وحاجة صغارك لتفرغك؛ خير تتويج لرسالتك مع طالباتك، وأفضل درس تربوي تختمين به رسالتك معهم"!
ولم يختلفا؛ فالمقصد الآخرة، والتفرغ للأبناء؛ مع عدم استطاعة الجمع بين العمل وبين حسن أداء هذه الرسالة الأساس للزوجة الأم، كان هو القرار السديد.
إنها صور مباركة مؤثرة من قصص واقعية يتجلى فيها هذا المعنى العظيم "شراكة الآخرة".
ويمتد تعميق هذا المعنى المحوري إلى تربية الأبناء؛ وغرس رجاء الدار الآخرة في قلوبهم، وتصوير حقيقة الحب الذي يربط بينهم وبين والديهم بأنه الحب الذي يفضي إلى الرغبة في أن يكونوا شركاء في الآخرة؛ كما هم شركاء في الدنيا!
كم نحن بحاجة إلى تحقيق هذا التعميق لمفهوم "شراكة الآخرة"!
وكم يحتاج الزوجان - بعد الاستعانة بالله ودعائه جل وعلا - إلى البدء بترسيخ هذا المفهوم بينهما بقوة؛ كما ترسخ في المثل السابق بين المعلمة وزوجها؛ حت يمكنا - بحول الله تعالى وقوته - من غرسه في فلذات الأكباد؛ وذلك أنه لو تحقق لهما ومضت عليه حياتهما؛ فإنه سينعكس لا محالة، وبأريحية وتلقائية، منهما إلى صغارهما!
وفي تلاوة كتاب الله وتدبره خير معين على استحضار كثير من التصورات التي تحقق هذا المعنى:
ومن ذلك قول الله جل وعلا: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم...} .
وقوله سبحانه: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}.
وقوله تعالى: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء}.