المعلم الشيعي إشكالية عقدية وتربوية
6 صفر 1432
الهيثم زعفان

تثار هذه الأيام قضية المعلم الشيعي الذي ضبط متلبساً وهو يعلم التلاميذ في مدارس أهل السنة والجماعة الصلاة على طريقة الفرقة الشيعية؛ وعلى إثر هذه الحادثة تم فصل المعلم الشيعي من التربية والتعليم.

 

والمتأمل لصلاة الجماعة عند الشيعة سواء عبر الفضائيات الشيعية التبشيرية، أو في أماكن تواجد بعض الأفواج الشيعية بمساجد أهل السنة والجماعة كالمسجد الحرام، ومسجد التنعيم بمكة المكرمة، أو المسجد النبوي بالمدينة المنورة، حيث الجماعة المتأخرة؛ يلمس مدى غرابة هذه الصلاة الشيعية في قيامها، ركوعها، سجودها، وأدعيتها.

 

وحكم هذه الصلاة الشرعي بهيئتها وأذكارها تلك أفرد فيه علماء الشريعة الثقات الأدلة والبراهين على اختلاف تلك الصلاة عن صلاة أهل السنة والجماعة، وعن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كيفية الصلاة.
 وبعيداً عن الدخول في تفصيلات حكم صلاة الشيعة؛ فقد استوقفتني في هذه الحادثة الهامة جزئية شديدة الخطورة والأهمية؛ والمتمثلة في المكون العقدي "للمربي" القدوة الذي يقتدي به تلاميذ اليوم رجال المستقبل من أبناء أهل السنة والجماعة. خاصة وأن الأمر لا يقف عند حدود جزئية فرعية كتعليم الصلاة على الطريقة الشيعية، فالصلاة إحدى مفردات الخلاف العقدي الجوهري، والباقة الشيعية فيها الكثير.

 

ولكنني وجدت سؤالاً بدهيا يفرض نفسه على الذهن سواء في موطن الحادثة أو في كافة بلدان أهل السنة والجماعة، وهذا السؤال هو؛ ألا يشكل وجود مدرس "مربي" يتولى "تربية" أبناء أهل السنة والجماعة، يحمل بين جنباته عقيدة تسعى لهدم عقيدة أهل السنة والجماعة؛ ألا يشكل ذلك خطورة على هوية وعقيدة الأبناء؟.

 

بعض من يحاول القفز فوق هذه الإشكالية العقدية يضع المدرس في خانة "المعلم"، ويغض الطرف عن كونه "مربي"، والحجة لدى القافز أن هناك منهجاً تعليمياً تضعه وزارات "التربية والتعليم"، ومن ثم فإن المدرس مقيد بهذا المنهج التعليمي، لا يخرج عن دائرته في قاعة الدراسة. وهي حجة يردها التلميذ قبل الخبراء، فالوزارة اسمها "التربية"، والكلية التي تخرج منها المدرس اسمها كلية "التربية"، حتى في البلدان التي تتبني حكوماتها مسمى وزارات التعليم نجدها تستبق كلمة التعليم بـ"التربية" فتقول وزارة "التربية" والتعليم، فالتربية إذن وخاصة "التربية بالقدوة" هي عماد العلاقة بين المدرس والتلميذ داخل المدرسة، وهي المحرك للمنهج التدريسي وليس العكس ونحن بذلك نناقش قضية تربوية بديهية، ومن ثم تكون حجة القافز بالقفز فوق "التربية" حجة ساذجة ومردودة.
وعلى مستوى التلميذ فالأمر أيضاً واضح فجميعنا مر بالتعليم، وجميعنا تأثر بالمعلم المربي في مراحله الدراسية أدرك ذلك أم لم يدرك.

 

وعليه فإن من يحاول أن يبين أن المكون العقدي للمدرس لا يؤثر على العملية التربوية فهو مغالط، ويضع حوله الكثير من علامات الاستفهام.
هذا عن الإطار التربوي للمدرس، لكن الكارثة الحقيقية تكمن في معتقد هذا المدرس، فاليوم بدأنا بالصلاة، وإن ترك الأمر وتم التهاون فسنجد غداً زواج المتعة، وبعد غد الطعن في أمهات المؤمنين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم، ومع نهاية العام الدراسي يتم إنكار السنة، وعدم اعتمادها إلا من طريق رواتهم، وغير ذلك من الضلالات الفاسدة.
قد يقول قائل إن مناطق تواجد المعلم الشيعي هي مناطق ذات كثافة سكانية شيعية، ومن ثم فلا ضير من كون المدرس شيعياً طالما أن غالبية التلاميذ من الشيعة، ولا ضير أيضاً من توجيه التلاميذ تربوياً نحو ما يعزز معتقد المعلم ومن ثم معتقد عدد كبير من التلاميذ. وفي ذلك نقول:

 

أولاً... هم يقولون مناطق كثافة شيعية فهي إذن ليست مناطق أغلبية، أو مناطق جميعها شيعية، وبالتالي فإن هناك تلاميذ من أبناء السنة في فصول دراسية يدرس فيها معلمون من الشيعة، إذن فالإجماع مفقود، والخطورة على أبناء أهل السنة والجماعة قائمة، وحمايتهم العقدية من التنشئة التربوية على العقائد الفاسدة واجب شرعي.

ثانياً.... البلدان السنية الأصل فيها أنها تقوم على الأسس الشرعية والعقدية "المستقيمة"، ومن ثم فهي تضع نظمها التعليمية والتربوية وفق ذات الأسس "المستقيمة"، وهي أسس تفرض عليها تقويم أية انحرافات تنخر في عقيدة أهل السنة والجماعة وتشوهها، وتحاول تنشئة الأبناء وفق انحرافات تهلك الفرد والمجتمع. من هنا فإن المتأمل على المستوى العقدي في غالبية المناهج التعليمية والتربوية التي يتعلمها التلاميذ في المدارس الحكومية بالبلاد السنية حتى ولو كان من بينهم أبناء للشيعة، يلمس في تلك المناهج خاصة الشرعية وخاصة المحكمة من قبل العلماء الثقات وهيئات ومؤسسات كبار العلماء، يلمس التبصرة للطريق المستقيم، وعلى المعلم تنشئة الطلاب وغرس المكون التربوي في نفوسهم وفق هذا الطريق، في كافة المواد الدراسية، وإذا حدث وحاد التلميذ مستقبلاً عن الطريق المستقيم وسار على درب أسلافه في الطريق المنحرف فلا يلومن بعد ذلك إلا نفسه، فإذا كانت الدولة السنية قد صاغت مناهجها التعليمية عقدياً وفق الطريق المستقيم، وضمنت المعلمين الذين ينشئون الأبناء وفق تلك الأسس العقدية، وباشرت المراقبة والتوجيه على ذات الأسس العقدية المستقيمة، فحسبنا أنها قد عذرت نفسها في هذه الزاوية العقدية. والأمر بهذه الصورة وتلك الفلسفة يرد الأصوات التي تطالب بأن تكون هناك مدارس شيعية خالصة داخل الدولة السنية، لأن الحكم في ذلك لعلماء الشريعة الذين يستنبطون الحكم الشرعي، ويسعون من خلاله للحفاظ على النسيج العقدي للمجتمع السني.

 

ثالثاً.... لو تناولنا دولة مثل إيران الشيعية هل يتصور أحد أن يقوم مدرس سني بتنشئة أبناء الشيعة هناك وفق عقيدة أهل السنة والجماعة، هذا إن كان هناك معلم سني واحد في الأساس داخل المدارس التعليمية في إيران.
أعلم أن هناك إشكالية معقدة تواجه البلدان السنية التي توجد بها فرق شيعية، تتمثل هذه الإشكالية في أن الشيعة يتمتعون بحقوق المواطنة، ومن ثم فمن حقهم اختيار المسار التعليمي الملائم من بين المسارات التعليمية المتاحة داخل الوطن، وعليه نجد الطبيب أو المهندس أو المحاسب الشيعي وغير ذلك من الوظائف المدنية، لكننا عندما نتناول مسألة التدريس والتربية، فالوقفة مختلفة، لأننا نسلم أطفال في عمر التنشئة، ونضعهم لمدة ساعات زمنية يومية طويلة في يد مدرس ومربي قد يكون متفوقاً في مادته العلمية، لكنه على المستوى العقدي قد يدمر الأبناء، وعلى ذلك فإن الإشكالية معقدة وتحتاج مناقشة موسعة من علماء الشريعة وخبراء التربية، للخروج بأنسب الحلول للتعامل مع تلك الإشكالية العقدية التربوية. لأنه بعيداً عن أصوات التعايش والمواطنة وأبناء الوطن الواحد والجيرة وزمالة العمل، وقريباً من التناول على مستوى الحس العقدي للفرد والمجتمع، فإن مجرد علم أهل السنة والجماعة بوجود مدرس شيعي داخل المدرسة التي يتعلم فيها أبنائهم السنة، أمر من شأنه وجود هواجس قلق على عقيدة الأبناء، ومستقبلهم العقدي وهذه الهواجس نابعة من استيعاب الأهالي لدور المعلم التربوي، فما بالنا الآن وهناك حادثة عملية تم ضبط المعلم الشيعي فيها متلبساً؟.

 

ومن حق ولي الأمر أن يسأل ما هي الضمانة الفعلية لعدم اقتداء الأبناء بقدوتهم التعليمية التربوية الشيعية على المستوى العقدي؟.
وما الذي يضمن للآباء ألا يفاجئهم الأبناء بتساؤلات عقدية يعجز فكرهم وإمكاناتهم الشرعية على ردها وكشف ملابساتها للأبناء؟.
وفي الختام سيجد الآباء أنفسهم مضطرون لأن يتساءلوا ما هو الداعي للمخاطرة والمجازفة بوجود "مربي" قد يدمر الابن السني عقدياً؟.