يحتاج الداعية إلى الله أن يتصف قلبه دوما بوجود الهمة العالية والطاقة الدافعية التي تمكنه من توجيه الآخرين وبث الروح فيهم والحياة في قلوبهم ، وتلك الطاقة كثيرا ما نفتقدها من قلوب كثير من الدعاة الذين ينبغي أن يوجهوا ويقودوا ويعلموا ويربوا .
والمدعو الذي يشعر بافتقاد تلك الطاقة من قلب مربيه لا يلبث أن يفر منه ويسقطه من عينه , ذلك أن هناك حدسا يستشعر به ذاك المدعو قوة قلب مربيه من ضعفه ومهما حاول الداعية أن يلبس قلبه ثوب القوة ويقَنعه بقناع الطاقة فإنه لن يفلح لأن طاقة القلب المنبثقة من الداعية هي أمر غير مرئي يتكون من عدة مكونات أساسية نستطيع أن نصفها أنها خليط من الإخلاص والصدق والمروءة , فهي محسوسة بأثرها مختفية بذاتها , فهي جلية الأثر ظاهرة تعبر عن نفسها حين يستطيع ذاك القلب القوي أن يجذب الآخرين حيث تتمثل فيه معاني القلب السليم .
ولما أراد عبد القادر الجيلاني أن ينصح تلاميذه أوجز لهم القول بجملة واحدة فقال لهم ( سيروا مع الهمم العالية ) وكان ينادي بها أهل بغداد ...
وصدح بها ابن القيم لما قارن بين حياتين أو بين نوعين من حياة الناس فقال : ( لكن يغلط الجفاه في مسمى الحياة حين يظنونها التنعم في أنواع المأكل والمشرب والملابس والمناكح , أو لذة الرياسة والمال وقهر الأعداء , والتفنن بأنواع الشهوات ولا ريب أن هذه لذة مشتركة بين البهائم بل قد يكون حظ كثير من البهائم منها أكثر من حظ الإنسان , فمن لم تكن عنده لذة إلا اللذة التي تشاركه فيها السباع والدواب والأنعام فذلك ممن ينادى عليه من مكان بعيد , ولكن أين هذه اللذة من اللذة بأمر إذا خالط بشاشته القلوب سلى عن الأبناء والنساء والأوطان والأموال والإخوان والمساكن ورضي بتركها كلها والخروج منها رأسا وعرض نفسه لأنواع المكارة والمشاق وهو متحل بهذا منشرح الصدر به , يطيب له هجر ابنه وأبيه وصاحبته وأخيه , لا تأخذه في ذلك لومة لائم , حتى أن أحدهم ليتلقى الرمح بصدره ويقول فزت ورب الكعبة , ويستطيل الآخر حياته حتى يلقى قوته من يده ويقول إنها لحياة طويلة لو صبرت حتى آكلها , ثم يتقدم إلى الموت فرحا مسرورا ) مفتاح دار السعادة
إن الهمة العالية هي سلاح القلب في كل موطن وفي كل موقف , يذود بها عن حماه ويخترق بها المصاعب والمشاق , ويتقدم بها الصفوف , ويعتلي بها أعلى الدرجات .
========================
* قلب الداعية - الطاقة والإمكانات , خالد روشه