أزمة تربوية اجتماعية ثقيلة هي أزمة التملق والصعود على رقاب الآخرين , تلك التي نراها تكبر وتتشعب وتزداد وتنسخ خيوطها بين جنبات مجتمعاتناالمسلمة , إنها صفة كئيبة وخلة حقيرة يتصف بها كل وصولي محب للصعود من اجل غايته مهملا نوع الوسيلة التي بها يصل !!
قالها لي صديقي الذي يعمل في مؤسسة خليجية وهو يعتصره الألم الممزوج بالحيرة. حيث أتى إليهم في المؤسسة موظف جديد (متعاقد مثله) يؤدي عمله كما يؤد الآخرون إلا أنه يتمتع بخبرة وحيلة لا يتمتع بها من المؤسسة سوى القليل جدا. ألا وهي تحديد مكامن القوة والضعف في المؤسسة !!
فهو ينجح بشكل منقطع النظير في استمالة الموظفين الكبار (وهم أهل السلطة فيها) بأساليب أهمها الخضوع المطلق لإشاراتهم وإيماءاتهم وأحيانا رغباتهم بينما هو يستأسد على باقي الموظفين المتعاقدين الضعاف والذين هم بحكم قانون المؤسسة متعاقدين وافدين ليس لهم من الحول والقوة ما لغيرهم من أهل البلد
وليس هذا وحسب بل لأنه بدأ يشعر بانحنائه البين الظاهر أمام رغبات أولى القوى , وضياع هيبته , ومحاولة المتعاقدين تحاشي الصدام معه
وبدا في عمليات الضرب تحت الحزام والاستثارة وإظهار القوة. فمثلا يعلن كلاما مثيرا باكتشافاته وابتكاراته لأشياء معلوم أنها قديمة وطرق معروف أنها بالية وكأنه يعيد اختراع العجلة في عصر الحاسبات الدقيقة. وهنا تبدو المهزلة عندما يبدي العاقلون من المتعاقدين امتعاضهم من هذا السفه ينهرهم ويتهمهم بالجهل ويتوعدهم بعواقب وخيمة على الملأ. فلا يرى المسئولون في المؤسسة له خطأ ولا يجدون عنده نقيصة فقد سيطر على العقول بطرق لا يعلمها الكثيرون ولا مجال لشرحها الآن.
نصح الكثير من المتعاقدين بعضهم بعضا بتجنبه وتحاشيه، إلا أنه بدأ في الاصطياد فأخذ يحقر من مؤهلات وكفاءات المتعاقدين علنا , ويعلن أمامهم أنه لو شكلت لجنة لفحص مؤهلاتهم لما أبقت إلا عليه والقليل من أمثاله. والمعلوم أنه أقل الموجودين مؤهلات علمية وسنوات خبرة وهذا ما يثيره جداً ويحاول إسقاطهم من حوله.
هنا بادرني صديق بالسؤال الحاسم: من نلوم؟ هل نلوم هذا الموظف بطل القصة الذي وجد عنده نقصاً ما في الخبرة والكفاءة فاستعاض عنه بحيل السيطرة على عقول المسئولين بشتى الطرق فكان له الحظوة والقوة. أم نلوم المسئولين عن المؤسسة لأنهم يسمعون وينصاعون دون تمحيص أو تدقيق فيما يتلقون من معلومات ولا يتساءلون ماذا يريد هذا من تحقير إمكانات أقرانه؟ وعلى أي أساس سمحوا له باستعراض القوة على زملائه؟ أم نلوم الموظفين المتعاقدين، وهم الطرف الأضعف في حلقة الوصل وهم الضحايا، لسكوتهم عما يدور ويحاك ضدهم؟
أخي القارئ: لا تتسرع في الإجابة فهذه الصورة النمطية لهذا المشهد تتكرر في كثير من المؤسسات التي يتم فيها تقريب أهل الثقة على حساب أهل الخبرة أو يعمل بها متعاقدون يمكن لإدارة المؤسسة إنهاء عملهم دون إبداء الأسباب. وغالبا ما تنتهى محاولات هذا النموذج النمطي للمتملق المداهن بالنجاح ويتم التخلص من الكفاءات وبلوغ المنافقين أعلى الرتب وانهيار المؤسسات. فمن نلوم وما العلاج.