أقبل العيد و لكن ليس في الناس المسره
لا أرى إلا وجوها كالحات مكفهره
و خدودا باهتات قد كساها الهم صفره
و شفاها تحذر الضحك كأن الضحك جمره
ليس للقوم حديث غير شكوى مستمره
لا تسل ماذا عراهم كلهم يجهل أمره
كان مما علق في ذاكرتي من كتاب النصوص العربيه في المرحلة الاعداديه نص مضمونه أن الانسان حيوان ضاحك بالطبع،و على قدر الاستهجان الذي خلفته هذه النظره الدارونيه الدونيه في نفسي لأكرم ما خلق الله سبحانه و تعالى و هو الانسان الا اني كبرت لأكتشف أن حقائق علم الاجتماع و الممارسات الحياتيه و الطبائع الانسانيه تأبى التقعيد و أن كثرة شواذ هذا التعميم توجد أوصافا على النقيض تماما فيصح أن نقول أن الانسان عابس بالطبع، مهموم بالفطره، منتكس بالفقر، حزين للفقد اجتمعت عليه في العصر الحديث ويلات الحروب و المجاعات و العوز و الفشل الشخصي فما أبقت له نافذة للأمل.
لقلة الضحك من القلب او حتى الابتسام أصبح الضحك من الأمور التي يحسد عليها المرء فإذا رأينا امرىء يضحك خلق هذا في نفوسنا التساؤل، أما البكاء فما أسهل أن ننضم أو نتوحد مع الباكين بالاشفاق او المشاركه، كل منا يبكي مفقودا أو غائبا.
نحسن نحن الأمة العربيه صناعة الحزن في غير محله و حشره في غير مواقفه و العيد أحد هذه المواطن، فبينما هو مشروع لاظهار البهجة و الفرح بالطاعه للحجاج و المقيمين اذ بنا نقصره قصرا على مجموعة من الشكليات و المراسم التي تفتقد الى فقه الفرح و روح العيد، نبدأ أول أيامه بزيارة المقابر كأننا لا نتذكر أمواتنا في سائر العام سوى في المواسم، و لا حرج في هذا لو تأخر الى ثاني او آخر ايام العيد فمن الطبيعي زيادة افتقاد الأحبه في هذه المناسبات و لكن الانتقال من النقيض الى النقيض سيرا فقط على العاده دون احساسا باختلاف الأماكن و الساكنين، بين فسحة الدنيا و العيش الى ضيق المقابر و حياة البرزخ لهو أيضا مصيبة كبرى و اختلال في توازن النفس الانسانيه، اما أحياء القلوب فلا بد يتأثرون فيخرج المرء من زيارته ما يدري كيف يختلف العيد عن غيره من الأيام ان لم يكن مجلبة لمزيد من الأحزان و اللوعه.
و إذا خرجت الى السوق قبل العيد ستلمس سببا من أسباب حزن المواطن العربي الذي يأتي ارتفاع الاسعار في العيد على الراتب الذي ما يكاد يدخل جيبه حتى تأتي على اخر قرش فيه ملابس العيد و مأكولاته و هداياه، كنت في هذا الموقف بين صورتين صورة فارقتها بالامس القريب في بريطانيا عندما تقل الاسعار و تنتشر التنزيلات في الاعياد لتعم الفرحه بالعيد المواطنين على اختلاف قدراتهم الماديه و بين صورة اليوم في الوطن العربي حيث تفتح هذه المواسم نفس التجار و المتغولين الى مزيد من الغلاء و الاحتكار و رفع الأسعار في مظهر آخر يثبت غياب الفرح و فهم حقيقة العيد.
الرجال يشكون من عيديات أقاربهم و أرحامهم من النساء متناسين ما جاء في الاثر القائل "من فرح أنثى كان كمن بكى من خشية الله، و ما عُبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر"
أما الطفولة فهي مدرسة الفرح الحقيقي بالقلة و الكثره، بلبس الجديد أو الاكتفاء بالقديم، بالدينارأو الخمسة قروش، الأطفال أساتذة أفذاذ يحسنون توظيف المتوفر و الممكن و يستثمرونه للحصول على أفضل النتائج .
بحاجة نحن الكبار الى التعلم من صغارنا كيف نفرح بما لدينا دون أن نأسف على ما فاتنا، أن نحيي سنن أمواتنا الخيره في مثل هذه الأيام و نصل رحمهم و أصدقائهم و ندعو لهم، أن نستشعر الفضل في شهادة هذه الايام المباركه التي تعظم الأجر و تحيلنا أطفالا أنقياء من دنس الذنوب، أن نشكر الله على القليل مع تعظيم الرغبة في المزيد، فليس العيد فقط لمن لبس الجديد و لكن العيد لمن حسناته تزيد
ليتنا لا نجعل العيد اول المستضعفين و المبطوش بهم في مساحة القدره و الفعل القليل المتاح لنا و ان نذكر....
إنه العيد و إن العيد مثل العرس مره